[عَرْضُ رَسُولِ الله -صلي الله عليه وسلم- نَفْسَهُ على قَبَائِلِ العَرِب في مَوَاسِم الحَجِّ]
ورَسُولُ الله -صلي الله عليه وسلم- في تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ العَرِبِ في كُلِّ مَوْسِمٍ، ويُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفٍ لا يَسْأَلُهُم مَعَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمنَعُوهُ ويُؤُووُه، يَقُولُ: لا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُم عَلَى شَيءٍ، مَنْ رَضِي الذي أَدْعُو إليه قَبِلَهُ، ومَنْ كَرِهَهُ لم أُكْرِهْهُ، وإنَّما أُرِيدُ أَنْ تحْرُزُوني مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ القَتْلِ، فَتَحْرِزُونيِ حتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حتَّى يَقْضِي الله تَبَاركَ وتَعَالىَ لي ولمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحدٌ مِنْهُم، ولا أَتَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ القَبَائِلِ إلَّا قَالُوا. قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بهِ، أَفَترَى رَجُلا يُصْلِحُنَا وقد أَفْسَدَ قَوْمَهُ، وذَلِكَ لِمَا ادَّخَر الله عزَّ وَجَلَّ به للأَنْصارِ مِنَ البَركَةِ.
وماتَ أَبو طَالِبٍ فازْدَادَ البَلَاءُ على رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةً، فَعَمَد إلى ثَقِيفٍ بالطَّائِفِ يَرْجُو أنْ يُؤُووهُ ويَنْصُرُوه، فَوَجدَ ثَلَاثةَ نَفَرٍ مِنْهُم سَادَةُ ثَقِيفٍ، وَهُم إخوةٌ: عَبْدُ يالَيْلِ بنُ عَمْرو، وحَبِيبُ بنُ عَمْرو، ومَسْعُودُ بنُ عَمْرو، فَعَرضَ عَلَيْهِم نَفْسَهُ، وشَكَا إليهِم البَلَاءَ، ومَا انْتَهَى قَوْمُهُ منهُ، فقالَ أَحَدُهُم: أَنا أَسْرُقُ ثِيَابَ الكَعْبَةِ إنْ كانَ الله تبَارَكَ وتعَالىَ بَعَثكَ بِشَيءٍ قَطُّ، وقالَ الآخَرُ: واللهِ لا أُكَلِّمُكَ بعدَ مجْلِسِكَ هذا كَلِمَةً أَبدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ الله لأَنْتَ أَعْظَمُ شَرفًا وحَقَّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ على الله عَزَّ وَجَلَّ لأَنْتَ شرُّ مِنْ أنْ أُكَلِّمَكَ، وقالَ الآخَرُ: أَعَجَز الله أنْ يُرْسِلَ غَيركَ، وأَفْشَوا ذَلِكَ في ثَقِيفٍ الذي قَالَ لَهُم، واجْتَمَعُوا يَسْتَهْزِؤُنَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وقَعَدُوا لَهُ صَفَّينِ عَلَى طَرِيقِه، فأَخَذُوا بأَيْدِيهِم الحِجَارَةَ، فَجَعَل لا يَرْفَعُ رِجْلَهُ، ولا يَضَعَها إلَّا رَضَخُوهُمَا بالحِجَارَةِ، وَهُم في ذَلِكَ يَسْخَرُونَ به.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute