هَؤُلاَءِ القَوْمَ جَوْفَ مَكَّةَ فاحْمِلْنِي إلى السُّوقِ بِعُكَاظٍ غَدَا، فَعَرِّفْنِي مَنَازِلَ قَبَائِلِ العَرَبِ لَعَلِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِم نَفْسِي، فَفَعَلَ العبَّاسُ ذَلِكَ، وقَدِمَ بهِ السُّوقَ فأَرْشَدَهُ مَنَازِلَ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فقالَ: يا ابنْ أَخِي، احْتَلْ لِنَفْسِكَ، وانْطَلَق رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأَتَى مَنَازِلَ أَهْلِ اليَمَنِ، فَلَقِيَ أَبْضَعَةَ بنَ مَعْدِي كَرِبَ بنِ وَلِيعَةَ الكِنْدِيَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرو بنِ مُعَاوِيةَ فَعَرضَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ، وقالَ: أَدْعُوكَ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، فقالَ لَهُ أَبْضَعَةُ: بدأَتَ بِىِ لِتَفْتِنَنِي عَنْ دِينِي وأُنَابِذُ النَّاسَ على سَوَاءٍ، لَسْتُ أُطِيق ذَلِكَ، ولي أُمَراءَ بأَرْضِي لا أَمْتَنِعُ إلَّا بدأَتُ بِهِم، فالْتَمِسْ سِوَايَ، فَتَركَهُ.
وعَمَد إلى مَنَازِلِ رَبِيعَةَ فَلَقِيَ أُنَاسًا مِنْ قَيْسٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبةَ فِيهِم الحُطَمُ، فقالَ: مَنِ الحَيِّ؟ فقَالُوا: بَكْرُ بنُ وَائِلٍ، قالَ: وكَيْفَ العَدَدُ؟ قَالُوا: مِثْلُ الحَصَى، قالَ: فَكَيْفَ المَنَعَةُ؟ قالُوا: مَعَنا قَوْمٌ لا يُمْنَعُ مَعَهُم شَيءٌ، قالَ: مَنْ هُم؟ قَالُوا: الفُرْسُ، قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّهُ لم يأْتِ عَلَيْكُم إلَّا قَلِيلٌ حتَّى تَنْكِحُوا نِسَاءَهُم، وتَسْتَعبِدُوا أَبْنَاءَهُم، وتَنْزِلُوا مَسَاكِنَهُم، أنْ تُسَبِّحُوا الله ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتحمِدُوه ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتُكَبُرِّوهُ أَرْبَعًا وثَلَاثِينَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَم، قالَ: فانْصَرفَ عَنْهُم.
فأَتَى بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعةَ، فقَالَ لَهُم: مَنِ الحَيِّ؟ فَعَرضَ عَلَيْهِم نَفْسَهُ، وشَكَا إليهِم تَكْذِيبَ قَوْمِه إيَّاهُ، وقالَ: امْنَعُونيِ حتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي عزَّ وَجَلَّ، ولَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُم عَلَى شيءٍ يَكْرَهُهُ، قَالُوا: مَرْحَبًا بكَ، نمنَعُكَ ونُؤْوِيكَ حتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّكَ، فَبَيْنَا هُم كَذَلِكَ إذ أَتَاهُم رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُشَير يُقَالُ لَهُ بَيْحَرَةُ بنُ فِرَاسِ بنِ عَبْدِ الله بنِ فِرَاسٍ، فقَالَ: مَن هَذا الرَّجُلُ بينَ أَرْحَلِكُم لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute