للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ عُتِقْتُ، ثُمَّ أَقَمْتُ بِهَا حَتَّى افْتَتَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فَهَرَبْتُ إلى الطَّائِفِ فَكُنْتُ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَسْلِمُوا تَعَيَّتْ عَلَيَّ المَذَاهِبُ، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ، وقُلْتُ: أَلحقُ بالشَّامِ، أَو باليَمَنِ، أَو ببَعْضِ البِلَادِ، فَوَالله إنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي إذْ قَالَ لي رَجُلٌ: وَيْحَكَ إنَّهُ واللِّهَ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ دَخَلَ في دِينهِ وشَهِدَ شَهَادَتَهُ، فَلَمَّا قَالَ لي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدينَةَ فَلَمْ يَرُعْهُ إلَّا وأَنا قَائِمٌ عَلَى رأْسِهِ أَشْهَدُ بِشَهَادَةِ الحَقِّ، فَلَمَّا رآنيِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: وَحْشِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: اقْعُدْ فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ، فَحَدَّثْتُهُ كَمَا حَدَّثْتُكُمَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: وَيْحَكَ غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ فلَا أَرَاكَ، فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ رَسُولَ الله حَيْثُ كَانَ، فَلَمْ يَرَنيِ حَتَّى قَبَضَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا خَرَجَ المُسْلِمُونَ إلى مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابِ صَاحِبِ اليَمَامَةِ أَخَذْتُ حَرْبَتِي وخَرَجْتُ مَعَهُم، وَهِي الحَرْبَةُ التِّي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ رأَيْتُ مُسَيْلَمَةَ قَائِمًا في يَدِه السَّيْفُ ولا أَعْرِفُهُ، فَتَهَيأْتُ لَهُ، وتَهَيَّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ النَّاحِيةِ الأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ، فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إذا رَضِيتُ مِنْها رَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ في عَانَتِهِ، وشَدَّ عَلَيْهِ الأَنْصَارِيُّ فَضَربهُ بالسَّيْفِ فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ، فإنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْر النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،وشَرَّ النَّاسِ (١).


(١) رواه محمد بن إسحاق، كما في سيرة ابن هشام ص ٦٥٨ عن عبد الله بن الفضل بن عباس به، ورواه من طريقه: ابن حبان في صحيحه ١٥/ ٤٧٩، والطبراني في المعجم الكبير٣/ ١٤٦، وابن عساكر في تاريخه ٦٢/ ٤٠٦. ورواه البخاري (٣٨٤٤) بإسناده إلى عبد الله بن الفضل به.