الحمد لله الذى أورث كتابه من اصطفى من عباده المؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبى الأمى، المؤيد من ربه بالمعجزات الغرر التى من أجلّها القرآن الكريم، وعلى آله وصحبه، وكل من قرأ القرآن مجودا، وتدبر معانيه بفكر صائر، وقلب سليم، وبعد:
فإن علم التجويد يعتبر من أفضل العلوم المتعلقة مباشرة بالقرآن الكريم، الذى أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، فبه الآيات البينات، والدلائل الواضحات، والأخبار الصادقة، والعظات الرائعة، والتشريعات الراقية، والآداب العالية، والعبارات التى تأخذ بالألباب، والأساليب التى ليس لأحد من الخلق بالغ ما بلغ من الفصاحة والبلاغة أن يأتى بمثلها، أو يفكر فى محاكاتها، فهو آية الله الدائمة، وحجته الباقية، ومعجزته الخالدة لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: ٤٢).
وإن خير ما يجب أن يشتغل به المرء ليتقرب إلى ربه، ويصل إلى درجات المتقين، وليكون مخاطبا لرب العالمين، وليحيط بعلوم الأولين والآخرين، أن يقرأ القرآن، ويعلمه مجودا مرتلا كما أنزله رب العالمين، على خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا يكون ذلك، ولا يتحقق، إلا بمعرفة أحكامه التى تكفّل ببيانها علم التجويد، ولذا كان من توفيق الله لى أن جعلنى منذ طفولتى شغوفا به، محبا للتعمق فيه، شديد الحرص على معرفة ما خفى من قواعده واستتر، كثير التكرار لما علم من مبادئه وظهر، قوى الاتصال بالمعنيين بهذا العلم الجليل، لأفهم منهم بعض ما يعرفون. وأتعلم منهم بعض ما يعلمون، حتى لقد دفعنى ذلك وأنا لم أتجاوز مرحلة التعليم الثانوى الأزهرى بعد إلى إنشاء ندوة قرآنية تضم العارفين لقيمة هذا العلم الجليل، والراغبين فى الاستزادة منه، وقد استمرت هذه الندوة سبع سنين كنت أقوم خلالها إجابة لطلبهم