للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجديدة، وكان امتلاك عاصمة شرق أوربا أجدى على المسلمين من امتلاك بلاد الأندلس؛ لأن تلك العاصمة هي باب أوربا كلها، وهي الحد الجامع بين آسيا وبين أوربا، وهي برزخ الحضارات المتنوعة الكائنة حولها وراءها، فلا يُجهل ما يكون لمالكها من الفائدة في عظمة السلطان وارتقاء المدنية والحضارة، وهي من جهة أخرى مجاورة لأعظم ممالك المسلمين ولمقار قوتهم وعتيد جيشهم، فهم فيها أمكن قدمًا منهم في بلاد الأندلس، فإن توغل المسلمين في بلاد الأندلس وإن كان مفخرًا تاريخيًا ومنبعًا لحضارة دامت عدة قرون، كان أيضًا غلطًا سياسيًا يشبه غلط المسيحيين في توغلهم في بلاد الشام ومصر في عند الحروب الصليبية، وقد ظهرت نتائج ذلك الغلط عندما ضعف نفوذ الخلافة الإسلامية في الأندلس حين قام عبد الرحمن بن معاوية الأموي باستقلال الأندلس، وزادت نتائج تلك الغلطة اتضاحًا عندما انفصلت إفريقية عن الخضوع إلى الخلافة الفاطمية في مدة المعز بن باديس الصنهاجي سلطان إفريقية، فلم يبق بين قوة المسلمين في الشرق وبين مسلمي الأندلس اتصال، وهناك انفتحت أبواب الخطوب على مسلمي الأندلس، وصارت بلادهم تنقص من أطرافها.

وكان نشر سلطان المسلمين في أوربا قد خطر ببال خلفاء الإسلام من عهد معاوية الأول الخليفة الإسلامي الأموي الجليل؛ إذ كانوا جردوا حملات لفتح القسطنطينية في سنة (٣٢ هـ) وفي سنة (٤٣ هـ) وسنة (٥٠ هـ) التي حضر فيها أبو أيوب الأنصاري - صلى الله عليه وسلم -، فلم يخرج عمل المسلمين في فتحها عن حيز المحاولة والمناوشة.

إن ما توالى على المسلمين من الفتن الداخلية والحروب الخارجية في خلال القرنين السابع والثامن الهجريين، قد حال دونهم ودون التقدم في الحضارة ومجاراة جيرانهم في تناول ما انبلج عصرهم منها؛ إذ كانت همة المسلمين في تلك المدة منصرفة إلى دفع العدو عن كيانهم، وفي ذلك ما يلهيهم عن زيادة تحسن حالهم.

وكان الترك هم أصحاب الزعامة الإسلامية في أواخر القرن الثامن، وقد بلغت فتوحهم تخوم أوربا؛ إذ قد أخ مراد خان الأول مدينة أدرنة وجعلها عاصمة ملكه سنة (٧٦٢ هـ).

ثم صار الملك إلى ابنه بايزيد يلدرم فعظم ملكه، ولقب بلقب سلطان، فأخذ يستعد لفتح القسطنطينية ببناء أسطول بحري، ويستعد لفتح المجر حدود سنة (٧٩٧ هـ)

<<  <   >  >>