ولقد صار صاحب النفوذ على امبراطور البيزنطيين بالقسطنطينية، المحصور في عاصمة ملكه وفي قطعة من الأرض حولها، فكانت العاصمة في سنة (٨٠٣ هـ) على وشك السقوط في قبضة بايزيد لو شاء هو أن يتعجل بذلك.
وفيما هو بذلك الصدد إذ حدث حادث ظهور الطاغية (تيمور لنك) وقصد بلاد السلطنة التركية فحدثت بينه وبين يزيد حروب (من سنة ١٨٠٣ م إلى سنة ١٨٠٧ م) انتهت بأسر بايزيد، ثم بموت تيمور، فكفى الله شره وعقبها نزاع بين أبناء بايزيد إلى أن انتصر عليهم ابنه محمد جلبي الملقب بالأول سنة (٨١٣ هـ)، وخلص له الملك، وأقبل على تعزيز مملكته، فهو الذي أعاد الرجاء إلى ما رسمه والده من الاستعداد لفتح القسطنطينية بحيث أعاد الحالة التي تركها والده العظيم، وبعد ذلك مبدأ فتح تلك العاصمة العظيمة ومُهيئ انتقال التاريخ من العصور الوسطى إلى التاريخ الحديث، وفي تلك المدة أخذ الإسلام ينتشر في أوربا بمن احتلها من جيش الترك المسلمين، وبدعوة مشايخ الصوفية إلى الإسلام بين سكان مدن أوربا.
فيحق علينا أن نعد السلطانين بايزيد يلدرم وابنه محمد جلبي مجددي أمر الأمة على رأس المائة التاسعة، وقد كان في هذا الوقت بإفريقية السلطان أبو فارس عبد العزيز الحفصي، وكان من السلاطين المصلحين بإفريقية، وقد خضد شوكة أهل الفساد وأزهر في زمنه العلم وساد الأمن فهو بحق ممن قيضهم الله لتجديد أمر الأمة في بعض بلاد الإسلام، وقد عده البرزلي في كتابه «الحاوي» مجدد القرن التاسع، وتقدم الكلام على ذلك.
وقد مثلت حالة المسلمين في القرن الثامن للناظر إليها من خلال كلامنا المتقدم حتى كأنها منه رأي العين، وحين بريء أنه يخالجه في استجلائها اشتباه أو مين، وقد رأى كيف انصدع بناء الجامعة الإسلامية مرارًا، ثم كيف منح صدعه انجبارًا يعقب انجبارًا، ولقد وهت من جراء انصداعه المتكرر شرفة كانت حامية جلاله وأبهة جماله، ألا وهي شرفة الخلافة فقد نشأ الإسلام مقارنًا لمنصب عظيم هو ولاية امور أتباعه، والتيقظ لتنفيذ مقاصده في سائر أصقاعه، ولي ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته وقام به خلفاؤه من بعده.
فكانت الخلافة الإسلامية أكبر ضمان لوحدة المسلمين يستظلون بلوائها، وإذا انتابها خطب تألموا للأوائها، ثم زالت حرمة الخلافة بثورة دعاة العباسيين وتمزيقهم