ولما ظهر شباب دولة آل عثمان وفتحوا القسطنطينية أصبحوا أعظم سلاطين الإسلام، وصار سلطان القسطنطينية أجدر ملوك الإسلام بأن يكون ولي أمر عموم المسلمين حقًا.
ولما بويع السلطان سليم ابن السلطان بايزيد الثاني سنة (٩١٨ هـ) ضم إلى مملكته بلاد الأكراد والعراق والشام ومصر والحجاز، وحين دخل مصر كان الخليفة بها يومئذٍ محمد المتوكل على الله العباسي، فرأى من الخرق استمرار ادعاء الخلافة لنفسه حين ذهبت حقيقتها، ثم ذهبت صورتها فتنازل عنها السلطان سليم قائلاً لسان حاله:«بيدي لا بيد عمرو» وأحضر بين يدي السلطان شعار الخلافة وهو البردة والراية والسيف المنسوبة ثلاثتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومفاتيح الحرمين فسلمها إلى السلطان؛ ذلك أول سنة (٩٢٣ هـ).
فلقب السلطان سليم حينئذٍ بخليفة المسلمين وخادم الحرمين الشريفين، وبذلك أصحبت الخلافة الإسلامية في حقيقتها قولاً وفعلاً، وحصلت بها وحدة إسلامية أعادت لنفوس المسلمين الشعور بعزتهم، وبذلك تأتَّى لدولة آل عثمان أن تضم أقطارًا إسلامية جملة إلى مملكتها الواسعة دون كبير عناء وحسبت الأمم المعادية للمسلمين يومئذٍ لهم حسابهم، وعلموا أن لسان حال السلطان يقرأ:{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}[الغاشية: ٢٥]، فيحق أن نعد السلطان سليمًا هو المبعوث لتجديد أمر الأمة في رأس المائة العاشرة من وقت صدور الخبر النبوي الصادق، وهو وإن كان تجديده أمر الخلافة متأخرًا عن رأس المائة، فإن ولايته السلطنة قريب من رأس تلك المائة، والعبرة بيوم الظهور وإن تأخر التجديد إلى أن تتهيأ الأمور.
لم يعرف تاريخ الإسلام حادثًا انتاب الأمة الإسلامية منذ كيانها، ولا سهمًا أصابها في قلب إيمانها، مثل الحادث الجلل الذي اعترى المسلمين بالأندلس أوائل القرن الحادي عشر من الهجرة، فوجمت له النفوس وذرفت له العيون، وأوقر ذكره الأسماع في جميع البقاع، ولم يجد المسلمون مُدخلاً لاستلال دائه، ولا تأثرًا يثأر لهم أو مصيحًا لندائه، ألا وهو حادث تنصير جميع المسلمين في مملكة غرناطة، تلك الرقعة التي بقيت للإسلام في بلاد الأندلس، والمأوى الذي لجأ إليه المسلمون حين انتزع منهم الجلالقة بقية بلادهم، وهو وإن كان مأوى ضيقًا إلا أنه كان مأهولاً بخيرة البلاد وبقية الناس لما خلصت بلاد الأندلس بأيدي الجلالقة بسقوط كورة