الإسلام وبلاد الإسلام هي الأرض التي يقطنها طوائف من المسلمين، فالتأم من معنى الكلام: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل الله أن لا يسلط العدو على الأمة تسليطًا يتمزق به إهاب الجامعة الإسلامية، فليس المراد أن لا يسلط العدو على بعض المسلمين في بعض الأقطار أو في بعض الأيام؛ لأن سنة الله في هذا الكون أن الدنيا دول والحرب سجال، وأن الأمور موكلة إلى أسبابها وعوارضها، فقد هزم المسلمون في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الوقائع كما قال تعالى:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا}[الأحزاب: ١١]، وإنما المراد أن لا يسلط عدوًّا على جميع الأمة فيستأصلها بقرينة قوله قبله: أن لا يهلكهم بسنة عامة، أي بقحط يعم جميع بلاد الإسلام حتى يستأصلهم فلا يمنع ذلك من حصول قحط في بعض الجهات يهلك طوائف من الناس، فقد كان قحط عام الرمادة في خلافة عمر - رضي الله عنه -، وكان غيره بعده ونظير هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه غير مرة دعوات مرجعها إلى حماية هذه الأمة من أسباب الاستئصال، فقد أمن الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الخسف ومن الهلاك بالريح ونحو ذلك مما أهلكت به الأمم البائدة، وفي حديث البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«سألت ربي أن لا يهلك أمتي بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم فاستجاب لي وسألته: أن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، فلم يستجب لي».
وفي الصحيح أنه لما أنزل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}[الأنعام: ٦٥]، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أعوذ بسبحات وجهك الكريم أن يلبسكم شيعًا ويضيق بعضكم لباس بعض» قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذه أخف»، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حريص على أن لا يصيب الأمة شيء يستأصلها؛ لأن ذلك يقطع أعظم شيء عند الرسول وهو توحيد الله وعبادته، ألا ترى قوله يوم بدر وهو في العريش:«اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض»؛ وذلك أن الأمم الماضية أصابهم الاستئصال بأنواع الهلكات من نحو الغرق لقوم نوح، والريح لعاد والخسف لأهل سدوم والصاعقة لثمود وسيل العرم لسبأ، والصيحة لمدين، فباد جمعهم وهلكوا، والاستئصال بالسيف لبني إسرائيل على أيدي السريان في مدة بختنصر ثم على أيدي الرومان في زمن طيطس حتى استبيحت بيضتهم وزالت جامعتهم إلى اليوم.
والمراد بالعدو: المعادي، أي المخالف الحنق، وهو هنا عدو الدين بقرينة مقابلته بمجموع الأمة الإسلامية، وقوله: من سوى أنفسهم، أي من غير قومهم؛ لأن الأنفس في مثل هذا المقام يراد به الصميم والقوم، والمراد هنا القومية الدينية لا القَبَليَّة