فيجوز أن يكون هذا الوصف لقوله:«عدوًّا» وصفًا كاشفًا؛ إذ العدو لا يكون إلا من غير القوم أي عدوًّا من غير المسلمين، وحينئذ فليس فيه ما يقتضي أن يسلط على المسلمين عدوًّا منهم يستأصلهم.
ويجوز أن يكون وصفًا مقيدًا لقوله عدوًّا معاديًا لهم من أنفسهم، فيكون المعنى على تأويل: عدوًّا لبقيتهم أي فريقًا من المسلمين يكون عدوًّا لبقيتهم، فيكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا الله دعوة لاحظ فيها حق الأدب مع الله؛ لأن سنة الله في خلقه أن لا تسلم أمة من عدو يناوئها، فسأل الله أن يسلمها من عدو شديد العداوة يستأصلها ويهينها؛ لأن غلبة العدو التام للعداوة غلبة مشتملة على إهانة بخلاف غلبة العدو الذي له بالمغلوب صلة واقتراب فإنها لا تخلو من رحمة وتجنب للإهانة كما قال البحتري:
وفرسان هيجاء تجيش صدورها ... بأحقادها حتى تضيق دروعها
تقتَّل من وتر أعز نفوسها ... أو عليها بأيد ما تكاد تطيعها
إذا احتربت يومًا ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها
وكما قال الحماسي لما أراد القوم من أخيه حين قتل ابنه ثم ألقى السيف من يده وقال:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف عن فقد صاحبه ... أو هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
وعليه فليس المراد من تسليط العدو الذي هو من أنفس الأمة تسليط الاستئصال؛ لأن ذلك غير متوهم في العرف أن يصدر من متسلط من أنفس القوم ويدل لذلك قوله في آخر الحديث، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا، والحديث على هذا البيان لا ينافيه شيء مما حدث من أحوال المسلمين في التاريخ، فقد تسلط العدو على طوائف من المسلمين غير مرة بعضها كان تسلطًا معتادًا كالحروب الصليبية، وبعضها كان فوق المعتاد كتسلط التتار والمغول على المسلمين في المشرق سنين طويلة أهلكت الحرث والنسل إلى أن اعتنقوا الإسلام وصاروا إخوة لمن كانوا أعداءهم، وكتسلط القرامطة على بلاد العرب، وتسلط النصارى على المسلمين في مصر والشام في أواخر القرن السادس وأوائل السابع، وكتسلط الجلالقة على المسلمين في المغرب ببلاد الأندلس حتى انجلى عنها المسلمون وأصبحت أرض