قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة أ. هـ. فإن للمعلومات مراتب: منها ما تستطيع دركه عقول الجميع، ومنها ما لا يفهمه إلا الخاصة، قال الغزالي في الإحياء: سئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب، فقال له السائل: أما سمعت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كتم علمًا نافعًا جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار»، فقال: اترك اللجام واذهب، فإن جاء من يفقهه وكتمته فليلجمني، فقد قال تعالى:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}[النساء: ٥]، تنبيهًا على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى من حفظ المال، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق، وأنشد:
أأنثر درًا بين سارحة النعم ... فأصبح محزونًا براعية الغنم
لأنهم أمسوا بجهل لقدره ... فلا أنا أضحي أن أطوقه البهم
فإن لطف الله اللطيف بلطفه ... وصادفت أهلاً للعلوم وللحكم
فمن منح الجهال علمًا أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
انتهى كلام الغزالي.
وهذا يقتضي أن يكون السائل معروفًا عند المسؤول؛ ليتبين له حاله من الأهلية لتلقي المسألة ومن التنزه عن قصد الفتنة والتشغيب.
ومنها: أن يكون العمل بالمسؤول عنه متوفقًا على جواب المسؤول، فأما إذا فات العمل أو تعذر التدارك فلا يجب الجواب؛ إذ لم يبق الجواب وسيلة إلى حكم شرعي من وجوب أو تحريم، ومثال ذلك: ما وقع من المعتمد بن عباد ملك قرطبة وإشبيلية فإنه أتاه سفير الأذفنش ملك الجلالقة فأغلظ السفير في كلامه مع المعتمد فضرب المعتمد رأس السفير بمحبرة كانت بين يديه فقتله، ثم أحضر الفقهاء واستفتاهم في حكم قتل ذلك السفير وكان السفير يهوديًا، فهذا الاستفتاء في غير محله؛ إذ كان عليه أن يستفتيهم قبل أن يقتله.
ومنها: أن يكون السائل طالبًا معرفة عمل يخصه، فأما إذا كان طالبًا معرفة عمل غيره فذلك من العلم النافلة الذي أشار إليه الخطابي، ومن الناس من يسأل عما عمله غيره ليتطلب بذلك عثراته أو للتشغيب عليه من التجسس المنهي عنه شرعًا.