ومنها: أن يكون العلم المسؤول عنه معلومًا للمسؤول مأثورًا عنده، فإن كان المسؤول مجتهدًا فطريق علمه بالمسؤول عنه ظهور أدلته لديه، وإن كان مقلدًا فطريق علمه به أن يكون له به نقل عن أئمة المذهب الذي قلده وبدون ذلك لا يجب الجواب.
دل على هذا ما ورد في حديث ابن ماجه عن أبي هريرة:«ما من رجل يحفظ علمًا فيكتمه ... » إلخ.
وقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فأجاب في ست وثلاثين منها: بلا أدري. وقال القرافي -في الفرق ٧٨ - للعالم أحوال:
الأولى: أن يكون مقتصرًا على علم بعض مختصرات المذهب، فلا يفتي بما فيها إلا إذا تحقق أنها مستوفية لما في المسألة من قيود ونحوها فيفتي بما فيها من غير زيادة ولا نقص، بأن يكون عين الواقعة المسؤول عنها لا أنها تشبهها فلا يخرج عليها؛ لأنه قد يكون بين النظيرين فروق تمنع من الإلحاق فيجب عليه الوقف.
الحالة الثانية: أن يتسع تحصيله في المذهب بحيث يطلع على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات، ولكنه لم يضبط مدارك إمامه ضبطًا متقنًا، فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقله اتباعًا لمشهور المذهب، فإذا نزلت واقعة ليست مما يعرفه فلا يخرجها على نظائرها من محفوظاته ولا يقول: هذه تشبه المسألة الفلانية؛ لأن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله.
الحالة الثالثة: أن يستكمل شروط التخريج والإحاطة بمدارك إمامه مع الديانة الوازعة والعدالة المتمكنة، فهذا يجوز له أن يفتي في مذهبه بطريق النقل وطريق التخريج، هذا حاصل كلامه وسلمه له ابن النشاط.
ومنها: أن لا يكون في العلماء من هو أضلع منه بتلك المسألة وأقدر على الجواب وأتقن، وقد قال أبو موسى الأشعري: لا تسألوني مادام هذا الحبر بين أظهركم (يعني: عبد الله بن مسعود).
ومنها: أن يكونن قصد السائل الاستفادة دون إثارة الشغب؛ ولذلك أمر عمر بضرب صبيغ الذي كان يسأل أهل العلم عن متشابهات القرآن، قال القرطبي: وكذلك لا يجوز تعليم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل به أهل الحق.
ومنها: أن يكون المسؤول واثقًا بمرتبته العلمية واضعًا نفسه حيث وضعه الله تعالى