سيأتي، وأما الثاني فلأنه إذا اقتدى بأحدهما تعين إناء الثالث للنجاسة فامتنع الاقتداء به، وبهذا قال أَبُو إِسْحَاقَ المروزي إلا أنه قال: لو اقتدى بهما جميعاً وجب إعادة الصلاتين؛ لأن إحداهما باطلة لا بعينها، فيلزمه قضاؤهما، وعند ابن الحداد والأكثرين: لا يجب إلا قضاء الثانية فإنه لو اقتصر على الاقتداء الأول لما كان عليه قضاء الثانية، ولو كانت الأواني خمسة، والنجس منها واحد، وظن كل واحد بعد الاجتهاد طهارة أحدهما، ولم يظن شيئاً من حال الأربعة الباقية، وأم كل واحد منهم أصحابه في واحدة من الصلوات الخمس، وبدؤوا بالصُّبْحِ فعند صاحب "التلخيص" على كل واحد منهم إعادة الصلوات الأربع التي كان مأموماً فيها، وعند ابن الحداد والأكثرين: يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموماً فيها، ويلزم من ذلك أن يعيد كلهم العشاء إلا إمام العشاء، فإنه يعيد المغرب، وإنما أعادوا العشاء؛ لأن بزعمهم تتعين النجاسة في حق إمام العشاء، وإنما أعاد إمام العشاء المغرب؛ لأنه صحت له الصبح والظهر والعصر عند أئمتها، وهو متطهر عنده، فيتعين بزعمه النجاسة في حق إمام المغرب.
وعند أبي [حنيفة](١) يعيد كل واحد منهم جميع الأربع التي كان مأموماً فيها؛ لأنه اقتدى في واحدة منها بمن توضأ بماء نجس، وهي غير متعينة، فصار كما لو نسي واحدة من أربع، وحكي عن بعض الأصحاب: طريقة أخرى، وهي أن هذه الوجوه فيما إذا سمع من بين خمسة نفر صوت حدث، ونفاه كل واحد عن نفسه، وأموا على ما ذكرنا، فأما في مسألة الأواني: فكل واحد يعيد آخر صلاة كان مأموماً فيها بلا خلاف.
والفرق أن الاجتهاد في الأواني جائز، فكان لك واحد اجتهد في إناءه وإناء إمامه إلى أن تعينت النجاسة في الآخر، ولا مجال للاجتهاد في مسألة الصوت، ولو كانت المسألة بحالها لكن النجس من الأواني الخمس أثنان صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين، وبطلت خلف اثنين، ولو كان النجس ثلاثة صحت صلاة كل واحد منهم خلف واحد، ولو كان أربعة امتنع الاقتداء بينهم على الإطلاق.
القسم الثاني: أن تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معاً، فلا يخلو؛ إما أن تصح صحة غير مغنية عن القضاء، وإما أن تصح صحة مغنية عن القضاء، فإن لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة من لم يجد ماء ولا تراباً، فلا يجوز الاقتداء به للمتوضئ والمتيمم الذي لا يقضي؛ لأن تلك الصلاة إنما يؤتى بها لحق الوقت، وليست هي معتداً بها، فأشبهت الفاسدة، ولو اقتدى به من هو في مثل حاله ففيه وجهان للشيخ أبي محمد: