وحكى أبو الفرج البزاز عن الشيخ أبي علي أنه لا يصح الاقتداء به كما لو [عرف] أنه لم يأت بها، وحكي عن الشيخ أبي حامد الصحة، كما قاله صاحب الكتاب في "الفتاوى"، وإذا عرفت ذلك وسئلت عن اقتداء الشافعي بالحنفي مطلقاً فقل: فيه ثلاثة أوجه:
ثالثها -وهو الأظهر-: الفرق بين أن يحافظ على الواجبات، وبين أن يتركها، ولك أن تضم إليها وجهاً فارقاً على ما قدمناه، ولو اقتدى الحنفي بالشافعي، وصلى الشافعي على وجه لا يراه الحنفي، كما لو اقتصد وصلى، ففيه الخلاف، وإذا جوزنا اقتداء أحدهما بالآخر فلو صلى الشافعي الصبح خلف حنفي، ومكث الحنفي بعد الركوع قليلاً وأمكنه أن يقنت فيه فعل، إلا تابعه، وهل يسجد للسهو؟ إن اعتبرنا اعتقاد المأموم: نعم فإن اعتبرنا اعتقاد الإمام فلا، ولو صلى الحنفي الصبح خلف الشافعي وترك الإمام القنوت ساهياً، وسجد للسهوِ تابعه المأموم، وإن ترك الإمام سجود السهود سجد المأموم إن اعتبرنا اعتقاد، وإلا فلا.
والثاني: أن لا يكون ذلك لاختلافهما في الفروع، فلا يجوز لمن اعتقد بطلان صلاة غيره أن يقتدى به، وذلك كما إذا اجتهد اثنان فصاعداً في القبلة واختلف اجتهادهم، لم يجز لبعضهم الاقتداء ببعض؛ لأن صلاة كل واحد منهم باطلة عند أصحابه، وكذا لو اشتبه إناءإن طاهر ونجس، واختلف فيهما اجتهاد رجلين، ولو كثرت الأواني والمجتهدون واختلف اجتهادهم فحيث تعين عند المأموم بطلان صلاة الإمام امتنع الاقتداء، وحيث لا يتعين جاز الاقتداء، وفيه وجه أنه لا يجوز أيضاً، وهذا هو الكلام الجملي فيه، ونوضحه بصورتين:
إحداهما: لو اشتبه ثلاثة أوان، واجتهد فيها ثلاثة، واستعمل كل واحد منهم واحداً لأداء اجتهاده إلى طهارته، فإن كان الطاهر منها واحداً لم يجز اقتداء بعضهم ببعض، وإن كان النجس منها واحداً وأراد أحدهم أن يقتدي بآخر فإن ظن طهارة إناء أحد صاحبين كما ظن طهارة إناء نفسه، فلا خلاف في جواز اقتدائه به، وامتناع اقتدائه بالثالث، وإن لم يظن إلا طهارة إناءه، ففي المسألة وجهان: قال صاحب "التلخيص": لا يجوز لواحد منهم الاقتداء بواحد من صاحبيه، لأنه يتردد في أن المحدث المستعمل للنجاسة هذا أم ذاك، وليس أحد الاحتمالين بأولى من الآخر، فيمتنع الاقتداء، كما يمتنع الاقتداء بالخنثى لتعارض احتمالي الذكورة والأنوثة، وقال ابْنُ الْحَدَّادِ -وهو الأصح-: يجوز لكل واحد منهم أن يقتدي بواحد من صاحبيه، ولا يجوز أن يقتدي بهما جميعاً في صلاتيه، أما الأول فلأنه لا يدري نجاسة إناء من يقتدي به، وبقاء حدثه، وإذا لم يعلم المأموم من حال الإمام ذلك سومح، وجوز الاقتداء على ما