للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَابُ الأَوَّلُ فِي عِدَّةِ الحَرَائِرِ وَالإِمَاءِ

وَهِيَ بِالأقْرَاءِ* أَوْ بِالأَشْهُرِ* أَوْ بِالحَمْلِ (النَّوْعُ الأَوَّلُ الأقْرَاءُ) وَجمِيعُ ذَلِكَ يَجِبُ لِلبَرَاءَةِ وَلَكِنْ يَكُفِي جَرَيَانُ سَبَبِ الشِّغْلِ مِنْ تَغْيِيبِ الحَشَفَةِ وَوَطْءِ الصِّبيِّ وَالخَصِيِّ* وَيَجِبُ عَلَى المُعَلَّقِ طَلاَقُهَا عَلَى يَقِينِ البَرَاءَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: العدَّةِ؛ الاسم من الأعداد، يقال: أنفَذْتُ عِدَّة كتب أي جماعة كتب، وقد يُجْعل مصدراً، وعَدَدتُّ الشَّيْءَ عدًّا، فالاسم العَدَد والعَدِيدُ، واعتدَّتِ المرأة اعتداداً، ويقال: عَدّه فاعتدّ أي: صار مَعْدُوداً، ويقال: اعتد بكذا.

وفي الشريعة: العدة اسم لمُدَّة معدودةٍ تَتَرَبَّصُ فيها المرأة؛ لتعرف براءة الرَّحم.

والأصّل فيها الآيات كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وقوله {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ [أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ]} وقال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ [مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا]} [البقرة: ٢٣٤] والأخبار على ما سنذكرها إن شاء الله تعالى.

واعلم أن المُدَّة المستدَلَّ بمُضِيِّها على براءة الرَّحِم تتعلَّق تارة بالنكاح، ووطء الشبهة، وتشهر باسم "العِدَّة"، وأخرى بملك اليمين، إما حصولاً في الابتداء أو زوالاً في الانتهاء، وتشهر باسم "الاستبراء"، والنوع الأول ينقسم إلى: ما يتعلَّق بفرقة تحصل بين الزوجَيْن، والزوج حي؛ كفرقة الطلاق واللعان والفسوخ، وتشهر بعدة الطلاق؛ لأنه أظهر أسباب الفراق، وحكم العدة عن وطء الشبهة حُكْمُها، وإلى: ما تتعلق بفُرقة تَحْصل بموت الزَّوْج، وهو عدَّة الوفاة، فاشتمل الكتاب على ثلاثة أقسام: عدة الطلاق، وعدة الوفاة، والاستبراء.

القسم الأول: عدَّة الطَّلاَق، وما في معناه؛ وإنما تجب إذا حَصَلت الفُرْقة بعْد الدخول، فإن حَصَلتْ قبْله، لم يَجِبْ، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا]} [الأحزاب: ٤٩] الآية واستدخال المرأة مَنِيَّ الزوْج مقام الدخول في وُجُوب العِدَّة، وكذا في ثبوت النَّسَب (١)، وكذلك استدخال مَاءِ مَنْ تظنُّه


(١) مراده الماء المحترم كما ذكره الشيخ في باب ما يحرم من النكاح ولفظه وإن أنزل الزوج بالزنا، حكى البغوي أنه لا يثبت النسب أي إذا استدخلته زوجته ولا المصاهرة ولا العدة، ثم قال وقال البغوي من عند نفسه أي لا من كلام الأصحاب، وجب أن تثبت هذه الأحكام كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني بها، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>