الثَّلاَثَ غاية نَوْبَةِ القَسْم أم يجوز أن تقسم للأمة ثلاثاً، وحينئذٍ فتكون مدة الحُرَّة ستاً وإذا وَقَفْتَ على ما ذكرنا لم يجز قوله في الكتاب في حكايته الوجه الثالث على إطْلاَقِهِ.
المسألة الثانية: إذا أراد الابتداء بالقَسْم، فوجهان:
أصحهما: أنه يحكم بالقُرْعَة ويبدأَ بمن خَرَجَتْ قُرْعَتُها وتَحَرُّزاً عن التفضيل والتَّرَجُّح.
والثاني: أنه يبدأ بمن شَاءَ؛ لأنَّه بسبيل من الإِعراض عنهن جميعاً، وما لم يبت عند بعضِهِنَّ لا يلزَمُهُ شيء للباقيات وعلى الأصَحِّ إذا ابتدأ بواحدة، وهن أربع بالقُرْعة، فهذا وَقَّى نوبَتَهَا أقْرَعَ بين الباقيات، ثم يقرع بين الأخرتين، فإذا تمَّت النُّوَبُ، راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القُرْعة، ولو بدأ بواحدة من غير قُرْعة، فقد ظلَمَ ويقرع بين الثلاث الباقيات، وإذا تمَّت النُّوَب، لا يعود إلى الَّتي بدأ بها ظلماً بل يَقْرَعُ وكأنه ابتدأ القَسْمَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: القَسْمُ مشْرُوعٌ للعَدْلِ والاجْتنابِ عن التَّفْضِيل المُوحِشِ، فلا يجوز للزَّوْجِ تفضيلُ امْرَأة على امرأة بفضلتها بخصال شَريفة، حتى يُسَوِّيَ بين المسلمة، والكتابية، لاستوائهما في مقاصد النِّكَاح، وأحكامه، ولا يترك هذا الأصل إلاَّ بشيئين:
أحدهما: التفاوُتُ في الرِّقِّ والحُرِّيَّة، واجتماع الحُرَّة والأمة في نكاح الحُرِّ إنما يُتَصَوَّر بأن يَنْكِحَ حرَّةً على أمَةٍ، وأَمَّا العَبْد فإنه يجمع بين حرة وأمة كيف شاء وبين أمتين، ويجوز أن يعتق فينكح عليهما حرتين، فإذا اجتمعتا، فللحُرَّة من القَسْم ضِعْف ما للأَمَةِ، فيجعل الدَّوْر بينهما أثْلاَثاً؛ لِمَا رُوَي مرسَلاً أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"لاَ يُنْكَحُ الأَمَةُ عَلَى الحُرَّة وَللْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنَ القَسْمَ وَلِلأمَةِ الثُّلُثُ"(١) وروي ذلك عن عليٍّ كَرَّمَ اللَّهُ
(١) رواه البيهقي من حديث سليمان بن يسار قال: من السنة أن الحرة إن أقامت على ضرار، فلها يومان، وللأمة يوم، وروى أبو نعيم في المعرفة من حديث الأسود بن عويم سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجمع بين الحرة والأمة، فقال: للحرة يومان، وللأمة يوم، وفي إسناده علي بن قرين وهو كذاب، قوله: وروى ذلك عن علي، فاعتضد به المرسل، تقدم من عند البيهقي عن علي.