للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: الثبوت؛ ويُحْكَى هذا عن أبي حَنِيفَةَ وأحمد، واختيار المُزَنيِّ؛ لأنه ثبت للولد حَقُّ الحرية، حيث يُكَاتب عليه، وامْتَنَعَ بَيْعُهُ، فثبت لها حُرْمَةُ الاستيلاد.

وأصحهما: المَنْعُ؛ لأنها علقت [بمملوك، فأشبهت] (١) الأَمَةَ المَوْطُوءَةَ بالنكاح، وحَقُّ الحُرِّيَّةِ للولد لم يثبت بالاسْتِيلاَدِ في المِلْكِ، وإنما يثبت لصيرورته (٢) مِلْكاً لأبيه، كما لو ملك وَلَدَهُ بِهِبَةٍ وغيرها.

فإن قلنا: ثبت حُرْمَةُ الاسْتِيلاَدِ في الحال، فإن عُتِقَ المُكَاتَبُ استقر الاستيلاد، كان عجز رُقَّتْ مع الوَلَدِ للسَّيِّدِ، فإن عُتِقَ المكاتب بعد ذلك وملكها لم تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً [لأن بالعجز يتبين أنها علقت برقيق، وإنه لا اسْتِيلاَدَ، وإن قلنا: لا يثبت فإن عجز ثم عُتِقَ وملكها لم تَصِرْ مستَولَدَةً له] (٣)، وإن عُتِقَ بأَدَاءِ النجوم، فكذلك على ظاهر المذهب.

وعن أبي إسْحَاقَ تخريج قول مما إذا أَوْلَدَ الرَّاهِنُ الجَارِية المَرْهُونَةَ، وقلنا: لا تصير مُسْتَوْلَدَةً له، فبيعت، ثم ملكها، حيث نقول بِثُبُوتِ الاسْتِيلاَدِ على رَأْيٍ، لكن العُلُوقَ هناك بِحُرٍّ، وهاهنا بمملوك هذا إذا أتت بالوَلَدِ، وهو مُكَاتَبٌ.

أما إذا أتت به بعد العِتْقِ؛ فإن كان لِمَا دون سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وقت العِتْقِ، فكذلك الجَوَابُ؛ لأن العُلُوقَ وَقَعَ في الرِّقِّ. وإن كان لِسِتَّةِ أشهر، فصاعداً من يومئذ؛ فقد أَطْلَقَ الشَّافعي -رضي الله عنه- أنها تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً له.

واختلف الأَصْحَابُ؛ فقال قائلون: هذا إذا وَطِئَ بعد الحُرِّيَّةِ، وولدت لِسِتَّةِ أشهر، فصاعداً من يوم الوطء لظهور العُلُوقِ بعد الحرية، والولد والحالة هذه حر [لا ولاء] (٤) عليه إلاَّ بالوَلاَءِ على أبيه، ولا ينظر إلى احْتِمَالِ العُلُوقِ في الرِّقِّ تغليباً للحرية.

فأما إذا لم يَطَأْهَا بعد الحرية، فيكون الاسْتِيلاَدُ على الخِلاَفِ.

وقال آخرون: يثبت الاسْتِيلاَدُ وَطِئَ بعد الحرية أو لم يَطَأْ؛ لأنها كانت فِرَاشاً قبل الحُرِّيَّةِ، وذلك الفِرَاشُ مُسْتَدَامٌ بعدها، وإمكان العُلُوقِ بعد الحرية قَائِمٌ فيكتفي به لِثُبُوتِ الاسْتِيلاَدِ. والأوَّلُ أَصَحُّ على مَا ذَكَرَهُ صاحب "التهذيب". والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الحُكْمُ الرَّابع: حُكْمُ الوَلَدِ: وَفِي سِرَايَةِ الكتَابَةِ مِنَ المُكَاتَبَةِ إِلَى وَلَدِهَا الَّتِي تَلِدُ بَعْدَ الكِتَابَةِ مِنْ زِناَ أَوْ نِكَاحٍ قَوْلاَنِ كَمَا فِي سِرَايَةِ التَّدْبِيرِ إلاَّ أَنَّ هَذَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ الأُمِّ، وَوَلَدُ المُدَبِّرَةِ لاَ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا بَلْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَهَذَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ الأُمِّ فِي دَوَامِ الكتَابَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَسْرِي فَحَقُّ المِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ فِي قَوْلٍ فَكَأنَّهُ مُكَاتَبُهُ حَتَّى يُصْرَفَ إِلَيْهِ


(١) في ز: لمملوك فأشهدت.
(٢) في ز: لضرورته.
(٣) سقط في: ز.
(٤) في ز: ولا.

<<  <  ج: ص:  >  >>