للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ الجِنَايَاتِ المُوجِبَةِ للْعقُوبَاتِ

قال الغَزَالِيُّ: وَهِيَ سَبْعٌ: البَغْيُ وَالرِّدَّةُ وَالزِّنَا وَالقَذْفُ وَالشُّرْبُ وَالسَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ. الجِنَايَةُ الأَوْلَى: البَغْيُ وَالنَّظَرُ فِي صِفَاتِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أراد بالعقوبات الحُدُودَ، وما يَقْرُب منها، وإلا، فالقصاص عقوبةٌ أيضاً، وأدرج في الكتاب الكلام في سبع [من] الجنايات وأحكامها، وهي البغْيُ، والردة والزنا، والقذف [وشرب الخمر] والسرقة، وقطع الطريق، وعقوبات هذه الجنايات قد يُسَمَّى حدوداً، وقَدْ يَخُصَّ باسم الحدِّ ما سوى عقوبةٌ البغْي، والردَّة.

الجناية الأولَى: البَغْيُ، ونُقدِّم مقدِّمَتَيْنِ:

أحدهما: الباغي في اصْطِلاَح الفقهاء؛ المخالِفُ للإمام العادل (١)، الخارجُ عن طاعته بالامتناع عن أداء (٢) ما وجَب عليه أو غَيْره بالشرائِط التي تذكرها، ولِمَ سُمِّيَ باغياً؛ قيل: لأنه ظالم بذلك، والبغْيُ: الظُّلْم؛ قال تعالى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} [الحج: ٦٠] أي ظُلِمَ، وقيل: لمجاوزته (٣) الحدَّ المرسوم له، والبغْيُ مجاوزةُ الحدِّ، وقيل: لطلبه الاستعلاء على الإِمام، مِنْ قولهم: بَغَى الشَّيْءَ أي: طلبه، وافتتح الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الباب بقوله -تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات: ٩] {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (٤) الآية، ويقال: إنَّها وردَتْ في طائفتَيْنِ من الأنصار وقعَ بينهما قتالٌ، فلما نزلت، قرأها عليهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فأقْلَعُوا، وليْس فيها تعرُّض للخروج، والبغْي على الإِمام، ولكن إذا أمرْنا بقتال طائفة بغَتْ على طائفة أخرى حتى تَفِيءْ إلى أمر الله، فلَأَنْ نقاتلَ الَّذين بغَوْا على الإِمام


(١) تقييده الإِمام بالعدل هو الموجود في نص الشافعي في الأم والمختصر وجرى عليه الجمهور كما قاله جماعة من المتأخرين، وأطلق النووي في المنهاج فلم يقيد بالعادل وهو موافق لما نقله في البيان عن القفَّال أنه ألحق الجائر بالعادل في ذلك ويؤيده جزم الرافعي بوجوب طاعة الإِمام في ما لم يخالف الشرع وإن كان جائزاً.
(٢) في ز: إذا.
(٣) في ز: لمجارته.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>