للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابِ العِدَّةِ (١)

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَالنَّظَرُ فِي عِدَّةِ الطَّلاَقِ وَالوَفَاةِ وَالاِسْتِبْرَاءِ* أَمَّا عِدَّةُ الطَّلاَقِ فَفِيهَا بَابَانِ:


(١) العِدة بالكسر. معناها لغة الإحصاء. يقال عددت الشيء عدة بمني أحصيته إحصاء. وتقال على الشيء المعدود أيضاً. قال الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي (فمعدود). وقال تعالى: {وَأَحْصُوا العِدَّة}.
وفي المصباح والقاموس. عدة المرأة أيام إقرانها والجمع عِدد كسدرة وسدر.
والعدة بالضم. الاستعداد للامر والتهيؤ له. وتطلق أيضاً. على ما أعددته لحوادث الدهر من مال أو سلاح. قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}.
وفي اصطلاح الفقهاء! تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته. من النكاح الفاسد أو الوطء بشبهة.
والتربص. هو التثبت والانتظار. قال عز من قائل {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} أي (هل تنتظرون بنا إلا الفتح أو الشهادة في سبيل الله).
وقال تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} أي (انتظروا إنا معكم منتظرون).
وشرع الله العدة لحكم كثيرة، ومصالح جمة -منها العلم ببراءة الرحم وأن لا يجمع ماء الواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد وفي ذلك ما تمنعه الشريعة الفراء- ومنها إظهار شرف النكاح وحرمة العقد وخطورته وأنه ليس من الأمور التي يستهان بها ويجعل ألعوبة بيد المرأة حتى يتسنى لها بمجرد أن تنحل عقدتها من الرجل أن تفترش لغيره من ساعته بل لا بد من الانتظار والتربص وإظهار أثر النكاح بما يترتب عليه من العدة إعلاماً بأن هذا النكاح من ذوي الشأن والميزات من بين العقود وما أجله من سر عند ذوي الافهام الثاقبة والقرائح المتوقدة.
ومنها قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التزيين والتجمل ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد فلو لم يكن ثمة عدة وتزوجت بغيره فوراً لكان هذا من أعظم هضم لحقوق الزوج الذي طالما أمدهم ابن عمه وغرس في هيكل جسمها بذور نعمائه؛ فلذلك شرعت لرعاية حرمته وحفظاً لناموس كرامته ومنها تطويل زمان الرجعة للمطلق لعله أن يتذكر فيندم ويتفكر طول عشرتها معه فيتحسر ويتألم ويشعر بخدمتها له فيرجع إليها فيتهذب ويتعلم.
ومنها الأخذ بالأحوط لمصلحة الزوج والزوجة والقيام بشؤون الولد لعلها بعد تفرقها من بعلها وهي ذات ولد أن ترجع عما يهجس بخاطرها من الغضب والغطرسة فترجع إلى زوجها لتربية ولدها في عز أبيه وصولة والده فتكون قد أحسنت لنفسها ولزوجها وولدها وأنعم بها حكمة وأكرم بها مصلحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>