ويخرج عنه ما إذا وقَفَ في الذِّمَّة. وقوله:"منفعةٌ أو فائدةٌ" -أشار بالمَنْفَعَة إلى السكنى واللُّبْس ونحوهما، وبالفائدة إلى الثَّمَرةِ واللَّبَنِ ونحوهما.
وقوله:"لا تفوت العيْنُ باستِيفائها" احترز به عن الطَّعام، وما في معناه إلاَّ أنَّ هذا الضَّابِطَ يشْكِل بوقْفِ المستوْلَدَةَ، فإنه يقتضي جَوَازَه، والأصح فيه المَنْعُ، وبالملاَهِي حيْثُ لا يجوز وَقْفُهَا. فإنْ قلْتَ: كُلُّ عيْن معيَّنةٍ ممْلُوكةٌ مِلْكاً يَقْبَلُ النقل تَحْصُل منها فائدةُ أو منفعةً يستأجر لها زال الإشكال والله أعلم.
[فرعان]
الأوَّل: أجَّرَ أرْضَهُ، ثم وقَفَها، جواب الشيخ أبي عليٌّ في "الشرح" أنَّه يصحُّ الوقْف؛ لأنَّه مملوكٌ بالشرائط المذكورةِ، وليَسَ فيه إلا العَجْزُ عن صَرْف المنفعةِ إلَى جهةِ الوَقْف في الحال، وأنَّه لا يمنع الصِّحَةَ، كما لو وقَف ماله في يد الغَاصب.
وفي فتاوى القَفَّال تخريجُهُ على الوَقْف المنْقَطِع الأَوَّل.
وزاد بَعْضُهم فقال: إن وقَف على المَسْجِد، صَحَّ لمشابهتِه الإعْتَاق، وإنْ وقَف على إنْسَانٍ، فإنْ قلْنا: المِلْكُ في الوقْف ينتقل إلى المَوْقُوف علَيْه، فهو على الخلافِ في بَيْع المستأجر، إنَّ لم نصصِّحه، فكذلك الوقْفُ.
وإن صحَّحناه، فيخرَّج حينئذ على الخلاف في الوقْف المنْقَطِع الأوَّل، وإن قلْنا: ينتقلُ إلى اللهِ تعالَى، فَوَجْهان لافتقاره إلى القَبُولِ، ووقف الورثة الموصى بمنفعته شَهْراً كوَقْف المستأجر الثَّاني، إذا استأجر أرضاً؛ ليبني فيها أو يَغْرِس، فَفَعَلَ، ثمَّ وقَفَ البنَاءِ والغِرَاس، ففي صحَّة الوَقْف وجهان: أصحُّهُما: الصَّحة، وبه قال ابْنُ الحَدَّاد؛ لأنَّه مملوكٌ يمكن الانتفاع به مع بقاء عَيْنه.
والثاني: المَنْعُ؛ لأنَّ مالك الأرْضِ بسبيل من قلعه، فكأنَّه وقَفَ مالاً ينتفع به، وهما كالوجهَيْن في أنَّ الثاني لو انفرد بِبَيْعِ البناء، هل يجوز؟ ولو وَقَف هذا أرضَه، وهذا بناءه جاز بلا خلاف كما لو اجتمعا على البَيْع، وإِذا قلْنا بصحَّة الوقْف، فإذا مضَتِ المدَّة، وقلَع مالكُ الأرْضِ البناءَ، فإن بَقِيَ منتفعاً به بعْدا القلع، فهو وَقْفٌ، كما كان، وإِنْ لم يبْقَ، فيصيرُ ملكاً للموقُوفِ علَيْه، أو يرجع إلى الوَاقِف؟ فيه وجهان، وأَرْشُ النقص الذي يؤخذ منه القالع يسلك به مَسْلَكَ الوَقْف (١).