للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز وَقْفُ المدَبَّر أيضاً، ثم هُوَ رجوعٌ، إن قلنا: إنَّ التدبيرَ وصيةٌ، وإن قلْنا: إنَّه تعليقٌ عَتَقَ بصفة، فهو كالعبد المعلَّق عتُقُه بصفةٍ.

المسألةُ الخامسة: في وقْف الكَلْب المُعَلَّم (١) وجهان، بناهما بانُونَ، منْهم الشيخُ أبو حامد على الخِلاَفِ في إجَارته، وآخَرُون علَى الخِلاَف في هِبَتِه، وآخرُونَ عَلَى أنَّ الوقْفَ يزيلُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، أمْ لا يزيل؛ إنْ قلنا: لا يُزِيلُ، فَلَيْسَتْ قضيَّتهُ سَوى نقْلِ المنافعِ، ومنافعُها مستَحقَّةٌ، فجاز أنْ ينقل، وكيفَ ما قدَّر فالأصحُّ المنعُ، وقد قَطَع به بعضُهُم مع القول بجوازِ الإجَارة؛ لأن رقبته غَيْرُ مملوكةٍ.

المسألةُ السادسةُ: في وقْف الدراهم والدَّنانير وجهان، كما ذكَرْنا في وقْف إجارتِهِما. إنْ جوَّزنا الإجارَةَ، جَازَ وقْفُها, لتكرى ويجوز وقف الحُلِيُّ؛ لغرض اللبس.

وحَكَى الإمامُ أنَّهم ألْحَقُوا وَقْفَ الدراهم؛ ليُصَاغ منها الحُلِيُّ بوَقْفِ العَبْدِ الصغيرِ، وتردَّدَ فيه؛ لأنَّ الصغيرَ يصيرُ إلى حاَلة الانتفاع بنَفْسِه، وهذا يحتاجُ إلَى إحداث أمْرِ بالاختيار.

المسألة السابعةُ: لا يجوز وقْفُ ما لا يدُومُ الانتفاعُ به كالمطعومات؛ فإنَّ منفعتها استهلاكها وكالرَّيَاحِين المشمُومةِ، فإنها سريعةُ الفَسَادِ، وإنَّما شُرعَ الوَقْفُ؛ ليكون صدقةً جاريةً (٢). ومن المسائل الداخِلَةِ في الفَصْل أنَّه لو وَقَفَ عَبْداً، أو ثَوْباً في الذمَّة، لم يُجَزْ، كما لو أعْتَقَ عبْداً في الذمَّة، ولو وَقَفَ أحدَ عبْدَيْه، لم يَجُزْ كما لو باع، وفيه وجه؛ أنه يجُوزُ كما لو أَعْتَقَ ويجوز وقْفُ عُلْوِ الدَّارِ دون سُفْلها (٣)، ويجوزُ وقْفَ الفَحْل للنزوات بخلاف إجارته؛ لأنَّ الوقْف قربةٌ يحتملُ فيه ما لا يُحْتَمل في المعاوَضَات، والله أعلم.

وقولُهُ في الكتاب: "وهوَ كُلُّ مملوكٍ متعيَّن تحْصُلُ منه فائدةٌ أو منفعةٌ لا تفوت العَيْنُ باستيفائها" أراد به ضَبْطَ الموقوف.

وقوله: "مَمْلُوك" يدخل فيه العَقَارُ، والمنْقْول، والشَّائع، والمفرَّز، ويخرج عنه الحرّ وما لا يملك. وقوله: "متعيَّن" قَصَدَ به الاحتراز عمَّا إذا وقَف أحد العَبْدَيْنِ،


(١) أو قابل للتعليم كما بحثه السبكي.
(٢) قضيته تخصيصه بالرياحين المحصودة، أما المزروعة فيصح وقفها للشم كما قال المصنف في شرح الوسيط إنه الظاهر؛ لأنه يبقى مدة، وفيه منفعة أخرى وهي التنزه.
قال الخوارزمي وابن الصلاح: يصح وقف المشموم الدائم نفعه كالمسك والعنبر والعود.
(٣) يدخل في إطلاقه وقفها مسجداً، وبه صرح الماوردي والروياني فقالا يجوز أن يجعل السفل مسجداً دون العلو، والعلو مسجداً دون السفل خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>