للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (ولا يكفيهما طواف واحد) معلم بالواو؛ لما مَرَّ من الوجه الثالث، وبالحاء؛ لأن صاحب "التتمة" حكى عن أبي حنيفة -رحمه الله- مثله.

قال الغزالي: الفَصْلُ الخَامِس في السَّعْي: وَمَنْ فرَغَ مِنَ الطَّوَافِ اسْتَلَمَ الحَجَرَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَرَقَى عَلَى الصَّفَا مِقْدَارَ قَامَةٍ حَتَّى يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الكَعْبَةِ وَيدْعُوَ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى المَرْوَةَ وَيَرْقَأَ فِيهِ وَيَدْعُوَ، وَيُسْرِعُ في المَشْيِءِ إِذَا بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَيْلِ الأَخْضَرِ المُعَلَّق بِفِنَاءِ المَسْجِدِ نَحْوَ سِتَّةِ أَذْرُعِ إِلَى أَنْ يُحَاذِيَ المِيلَيْنِ الأَخْضَرَيْن ثُمَّ يَعُودُ إلَى الهَيْنَّةِ.

قال الرافعي: إذا فرغ من الطواف وركعتيه فينبغي أن يعود إلى الحَجَرِ الأسْوَدِ ويستلمه، ليكون آخر عَهْدِهِ بالاستلام، كما افتتح طوافه به، ثم يخرج من باب الصَّفَا وهو في محاذاة الصلع بين الركنين اليمانيين؛ ليسعى بين الصَّفَا والمَرْوَة، "وَيبْدَأُ بِالصَّفَا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "بَدَأَ بِهِ، وَقَالَ: ابْدَأُوا بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ" (١).

ويرقى على الصفَا بقدر قَامَةِ رَجُلٍ، حتى يتراءى له البَيْتُ، ويقع بَصَرُهُ عليه، فإذا رقى عليه استقبل البيتَ وهلَّلَ وكَبَّر وقال: "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبُرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَالْحَمدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلانَا، لاَ إله إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَحْدَه لاَ شَريكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". ثم يدعو بما أحَبَّ من أَمْرِ الدِّينِ والدُّنْيا، ثم يعود إلى الذِّكْرِ المذكُورِ ثَانَيًا، ثم يدعو ثم يعود إليه ثالثاً، ولا يدعو (٢)، وينزل من الصَّفَا ويمشي إلى المَرْوَةِ ويرقى عليها أيضاً بقدر قامة رجل، ويأتي بِالذِّكْرِ والدُّعَاءِ كما فعل على الصَّفَا.

ثم أن المسافة بين الجبلين يقطع بعضها مشيًا وبعضَها عَدْواً.

وبَيَّنَ الشافعي -رضي الله عنه- عنه ذلك فقال: "ينزل من الصَّفا ويمشي على سَجِيَّةِ مَشْيهِ حتى يبقى بينه وبين المَيْلَ الأَخْضَرِ المعلق بفناء المسجد وركنه قَدْرُ ستة


(١) أخرجه النسائي (٥/ ٢٣٦)، وأحمد في المسند (٣/ ٣٩٤) والبيهقي (١/ ٨٥)، وأخرجه مسلم بلفظ (أبداً) (١٢١٨) ومالك في الموطأ (١/ ٢٦٧) وأحمد (٣/ ٣٢٠، ٣٢١، ٣٨٨) وأبو داود (١٩٠٥) والترمذي (٨٦٢) وابن ماجة (٣٠٧٤).
(٢) قال النووي: ولنا وجه: أنه يدعو بعد الثالثة وبه قطع الروياني وصاحب "التنبيه" والماوردي وغيرهم، وهو الصحيح، وقد صح ذلك في "صحيح مسلم" عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الروضة (٢/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>