للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ صَدَقَةِ الخُلَطَاءِ

وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ

قال الغزالي: الأَوَّلُ، فِي حُكْمِ الخُلْطَةِ وَشَرْطِهَا وَحُكْمُ الخُلْطَةِ تَنْزِيلُ المَالَيْنِ مَنْزِلَةَ مَالٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ خَلَطَ أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ فَفِي الكُلِّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ (ح)، وَلَوْ خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِغَيرِهِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ (م ح) شَاةٍ.

قال الرافعي: النَّظَر في المواضع الخمسة كان معترضاً في شرط النِّصاب، فلما فرغ منها عاد إلى القول في النِّصاب، ولما كانت الزِّكاة قد تجب على مَنْ لا يملك نصاباً بسبب الخَلْطَة وجب اسْتِثْنَاؤها عن اشتراط النِّصَاب، فاستثنى ووصل به باب صَدَقَة الخُلَطَاء وهو من أصول أبواب الزكاة، وأدرج مقصوده في خَمْسَةِ فصول:

أولها: في حكم الخلْطَة وشرطها.

اعلم: أن الخلطة نوعان: خلطة اشتراك وخلطة جوار (١)، وقد يعبر عن الأولى بخلطة الأعيان، والثاني بخلطة الأوصاف، والمراد من النوع الأول أن لا يتميّز نصيب أحد الرَّجلين أو الرِّجال عن نصيب غيره كماشية ورثها اثنان أو قوم أو ابتاعوها معاً، فهي شائعة بينهم. ومن النوع الثاني: أن يكون مال كل واحد معيناً متميزاً عن مال غيره، ولكن تَجَاورا تَجَاوُرَ المال الواحد على ما سنصفه، ولكلتا الخلطتين أثر في الزّكاة، ويجعلان مال الشخصين أو الأشخاص منزلة مال الشَّخص الواحد في الزكاة، ثم قد تكثر (٢) الزَّكَاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب فيها شاة ولو انفردا كل واحد بنصيبه لم يجب شيء وقد نقل كما لو كان بينهما ثمانون مختلطة يجب فيها شاة ولو انفرد كل واحد بأربعين لوجب على هذا شاة وعلى هذا شاة. وحكى الحناطي وجهاً غريباً أن خَلْطَة الجوار لا أثر لها، وإنما تؤثر خلطة الشُّيُوع.

وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا حكم للخلْطَة أصلاً، وكل واحد يزكِّي زكاة الانْفِرَاد إذا بلغ نصيبه نصاباً، وعند مالك لا حكم للخلْطَة إِلاَّ إذا كان نصيب كل واحد منهما نِصَاباً، فلذلك أعلم قوله في الكتاب: "إلا إذا تم بخلطة نصاباً" بالحاء والميم،


(١) لقوله -صلى الله عليه وسلم- في خبر أنس كما رواه البخاري: "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّفٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْن مُجْتَمَع خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" والخبر ظاهر في خلطة الجوار.
(٢) وصورة تكثيرها، خلط مائة وشاة بمثلها، وجب على كل واحدة شاة ونصف، ولو انفرد، لزمه شاة فقط، أو خلط خمساً وخمسين بقرة مثلها، لزم كل واحد مسنّة ونصف تبغ، ولو انفرد كفاه مسنة. ينظر الروضة (٢/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>