واعلم أن الصحيح من هذا الخلاف عند العلم في حالة انتظام العادات أنها لا تحتاط، والصحيح عند النسيان وفي حالة عدم الانتظام أنها تحتاط لكن إلى آخر أكثر الأقدار، لا إلى تمام الخمسة عشر، ولهذا خلط في الكتاب الحالة الثانية بصورة النّسيان من حال الانتظام، والله أعلم.
قال الرافعي: إذا انقطع دم المرأة وكانت ترى يوماً دماً، ويومأ نقاء أو يومين ويومين، فلا يخلو إما أن ينقطع قبل مجاوزة الخمسة عشر أو يجاوزها، فهما قسمان:
الأول: أن ينقطع ولا يجاوز ففيه قولان:
أحدهما وبه قال مالك وأحمد: أنها تلتقط أيام النقاء، وتلفق ونحكم بالطهر فيها وحيضها أزمنة الدم لا غير، لقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}(١) أي: ينقطع دمهن، وقد انقطع فوجب أن يجوز القربان، ولأنه لا يحكم في أيَّام الدم حقيقة بالطهر، فكذلك لا يحكم في أيام النّقاء حقيقة بالحيض؛ توفيراً لحكم كل واحدة من الحالتين عليها، ولا شك أن أزمنة النَّقاء لا تجعل أطهارًا في حق انقضاء العدة بها، والطَّلاق فيها لا يخرج عن كونه بدعيًا، فقولنا: نحكم بالطهر فيها على هذا القول أي: في الصوم والصلاة والاغتسال ونحوها.
والثاني وبه قال أبو حنيفة: إن حكم الحيض ينسحب على أيام النقاء فتحيض فيها جميعاً؛ لأن زمان النقاء ناقص عن أقل الطهر فيكون حيضًا كساعات الفترة بين دفعات الدم؛ ولأن أزمنة النَّقاء لو كانت طهرًا واحدًا فإما أن يكون كل واحد منها طهرًا وحده أو مجموعها طهرًا واحداً، فإن كان الأوّل وجب انقضاء العدة بثلاثة منها، وإن كان الثَّاني على جميع الشَّهر حتى لا تكون مُسْتَحَاضَةً مع مجاوزة الدَّم بصفة التَّقطع وليس كذلك، والقول الأول أصح عند الشيخ أبي حامد، وطائفة من أصحابنا العراقيين، لكن ما عليه المعظم أن الثاني أصح على ما ذكره في الكتاب، وبه قال القاضي أبو الطيب