للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن ادُّعِيَ عليه بعد عزله، أو في غير محل ولايته، وقد رفعه إلى قاضٍ هناك، فقد حكى الإِمام أنه يجوز سماع البيِّنة، ولا يُقْبَلُ إقراره، ولا يَحْلِف، إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار، وإن جعلناها كالبينة، فيحلف، ولك أن تقول: قبول قول المولى حكمت بكذا، وعدم القبول من المعزول واضحٌ مقررٌ من قبل، لكن سماع الدعوى عليه معزولاً كان أو غير معزول؛ بأنّه حكم ليس على قواعد الدعاوى الملتزمة، وإنما المقصود مِنْهَا التدرج إلى التزام الخصم، فإن كانت له بينة بلغها في وجه الخصم، وما ينبغي أن يسمع على القاضي بيِّنَة، ولا أن يُطالب بيمينٍ، كما إذا ادعى على إنسان أنَّك شاهدي والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ: وَليُسَوِّ بَيْنَ الخَصْمَينِ فِي القِيَامِ والنَّظَرِ وَجَوَابِ السَّلاَمِ وَأَنْوَاعِ الإِكْرَامِ، وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ المُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي المَجْلِسِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ مَنِ المُدَّعِي مِنْكُما، فَإذَا ادَّعَى طَالَبَ الثَّاني بِالجَوَابِ، فَإِنْ أَقَرَّ ثَبَتَ الحَقُّ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ قَضَيْتُ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لِلمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإنْ قَالَ: لاَ بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ جَاءَ بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ عَلَى أَظْهَر الوَجْهَيْنِ فَلَعَلَّهُ تَذَكَّرَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:

إحداهما: يسوي القاضي بين الخصْمَيْن في الدُّخُول عليه، وفي القيام لهما، وفي النظر والاستماع وطلاقة الوجه وسائر أنواع الإِكرام، ولا يخصِّص، أحدهما بِشَيْء من ذلك؛ لأنه ينكسر به قلب الآخر، ويمنعه من إقامة حجته، وكذلك يسوي بينهما في وجوب السلام؛ فإن سلما أجابهما معًا، وإن سلم أحدهما دون الآخر، قال الأصحاب: يصبر حتى يسلم الآخر، فيجيبهما، وقد يَتَوقَّف في ذلك عند طول الفَصْل؛ فإنَّه يمنع من استنهاضه جوابًا.

وذكروا: أنه لا بأس أن يقول الآخر: سَلِّمْ، فإذا سَلَّم، أجابهما وفي هذا اشتغال منه بغير الجواب وكأنهم احتملوا جميع ذلك، لئلا يبطل معنى التسوية، وحكى الإِمام: أنهم جوزوا له ترك الجواب مطلقًا، واستبعده (١).


(١) قال الزركشي: وحكى الماوردي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يرده على المسلم وحده في الحال.
ثانيها: بعد الحكم.
ثالثها: يرده عليهما معًا في الحال ولم يحك ما نقله المصنف وجهًا بل عزاه لبعض الفقهاء يعني من غير أصحابنا والمختار ما مال إليه الإِمام من وجوب الرد عليه في الحال وبه جزم القاضي أبو الطيب وشريح الروياني وغيرهما وصححه الجرجاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>