للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفَصَّلَ أكثرهم فقالوا: إن لم يُصرِّحْ في مُنَازَعَتِهِ، بأنه رَقِيقٌ، فيرجع. كما لو أقام بَيِّنَةً على الحُرِّيَّةِ؛ لأنه لم يوجد (١) منه ما يبطل الرُّجُوع، وإن صَرَّحَ بذاك، فعلى الوَجْهَيْنِ. وقَطَعَ الشيخ أبو عَلِيٍّ: بأنه لا يرجع، وفَرَّقَ بينها وبين البَيِّنَةِ، لقوة البينة.

[فروع]

مَنقُولَةٌ عن كلام القاضي أبي سَعْدٍ الهَرَوِيِّ:

إذا أَقَرَّ المُشْتَرِي للمدعي بالمِلْكِ، ثم أراد إِقَامَةَ البَيِّنَةِ على أنه للمدعي، ليرجع بالثَّمَنِ على البائع، لم يُمَكَّنْ؛ لأنه [لم] (٢) يثبت المِلْك لغيره، من غير نِيَابَةٍ، ولا وِكَالَةٍ. كيف والمدعي لو أَرَادَ إِقَامَةَ البَيِّنَةِ -والحالة هذه- لم يُلْتَفَتْ إليه؛ لاسْتِغْنَائِهِ عن البَيِّنَةِ بالإِقْرَارِ.

ويجوز له تَحْليفُ البائع؛ لأنه ربما يُقِرُّ فيرجع , فإن نَكَلَ, فهل يَحْلِفُ المشتري يَمِينَ الرد؟ وإن قلنا: النُّكُولُ واليمين كالإِقْرَارِ، فنعم. وإن قلنا: كَالبَيِّنَةِ، فلا.

المسترق المشتري، إذا ادَّعَى أنه حُرُّ الأصل، واعْتَرَفَ به المُشْتَرِي، ثم أراد إِقَامَةَ البَيِّنَةِ على أنه حُرُّ الأَصْلِ، مُكِّنَ؛ لأن الحُرِّيَّةِ حَقُّ الله [تعالى] (٣)، ولكل أحد إِثْبَاتُهَا.

وإذا ثَبَتَتِ الحُرِّيَّةُ، ثبت الرُّجُوعُ، ولا يكفي للرجوع إقَامَةُ البَيِّنَةِ على مُطْلَقِ الحُرِّيَّةِ، لاحْتِمَالِ أن المُشْتَرِي هو الذي أَعْتَقَهُ، ولو أقام المُشْتَرِي بعدما أَقَرَّ المدعي البَيِّنَةَ على إقْرَارِ البائع بالمال للمدعي؛ فهي مَقْبُولَةٌ، ويثبت بها حَقُّ الرجوع؛ لأنه لما تَبَيَّنَ إِقْرَارُ الَبَائِعِ من قبل، لُغِيَ إِقْرَارُ المشتري.

هكذا ذكره الشَّيْخُ أبو عَاصِمٍ. قال أبو سَعْدٍ: وهو الظَّاهِرُ وغيره مُحْتَمَلٌ؛ لأن إِقْرَارَهُ في الابتداء تَقْصِيرٌ، ولو أقام مُدَّعِي الاسْتِحْقَاقِ البَيِّنَةَ، وأخذ المال، ثم قَامَتْ بينة (٤) على أن البَائِعَ، كان قد اشْتَرَاهَا من هذا المُدّعِي، سُمِعَتْ، ورد الحُكْمُ الأَوَّلُ، وكانت الجَارِيَةُ للمشتري بالمُبَايَعَةِ السَّابقة. هذا هو الكلام في إِحْدَى صُورَتَي الفَصْلِ.

والثانية: جَارِيةٌ في يَد رَجُلٍ ادَّعى مُدَّعٍ أنها له، وأنكر صَاحِبُ اليد، فأقام المدعي البَيِّنَةَ، أو حَلَفَ بعد نُكُولِ صَاحِبهِ، فَحُكِمَ له بها، فأخذها وعاد بعدما غَشِيَهَا، فقال: كَذَبْتُ في دَعْوَايَ، ويميني، والَجَارِيةُ للذي كانت في يَدِهِ، فعليه أن يَرُدَّهَا، ويُغَرَّمَ مَهْرَهَا، وأَرْشَ النَّقْصِ إن حَدَثَ فيها نَقْصٌ، ولا يُقْبَل قوله: إنها كانت زَانِيَةً؛ لأنها تنكر ما يقول.


(١) في ز: يؤخذ.
(٢) سقط في: ز.
(٣) سقط في: أ.
(٤) في ز: منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>