للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" فَرْعٌ"

لو قلع سنّ صغير، فطلع بعضها، وماتَ الصغيرُ قبل أن يتمَّ نباتها، فعليه من الدية قسْطٌ ما لم ينبت، إن قلنا بوجوب الدية فيما إذا مات قبل النبات، والحكومةُ إن قلنا لا تجب هناك الديةُ، حُكِيَ هذا التصويرُ والتفريعُ عن نصِّ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (١)؛ وذلك يقوي رواية من روى الخلافَ في المسألة قولين، وقد حكاهما القاضي ابن كَجٍّ عن "الأم"، ولو قلعها قبل تمام الطلوع آخَر، فعن نصه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه ينتظر بها، إن لم تنبت، فعليه الديَةُ، وإن نبتت، لزمته حكومةٌ أكثر من حكومة القَلْعِ في المرة الأولَى.

قال الغَزالِيُّ: وَسِنُّ الشَّيْخِ الهَرِمِ إِذا تَقَلْقَلَتْ فَفِيهَا الأَرْشُ إِذَا كَانَ الظَّاهِرُ ثَباتَها، وَإنْ كَانَ الظَّاهِرُ سُقُوطَها فَقَوْلاَنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: القيدُ الرابعُ: كونها ثابتةً غير متقلقلة، فإن كانت متحرِّكة، نظر: إن كانت الحركةُ يسيرةً؛ لا تنقص المنافع، لم يؤثر تحريكها في القصاص، ولا في الأرش، وإن كان بها اضطرابٌ شديدٌ, وتحرُّك قويٌّ بسبب مرض أو هَرَمٍ، فينظر؛ إن بطَلَت منفعتها، ففي قلعها الحكومةُ دون الأرشِ، وإن انتقصتْ منافعها، فقد أطلق مطلقون قولَيْن في وجوب الأرش، وقال الإِمام: إن كان الظاهرُ الغالبُ على الظن نباتَها، وجب الأرش بلا خلاف، وكان نقصانُها كالأمراض الحاصِلَة في الأعضاء، وإن كان الغالِبُ على الظنِّ سقوطَها، فهذا موضع القولَيْن:

أحدهما: أن الواجب الحكومةُ دون الأرش، لِنُقْصَانِ المنفعة؛ كما في اليد الشَّلاَّء.

وأصحُّهما: وجوبُ الأرش؛ لتعلُّق الجمال، وأصل المنفعة بها في المَضْغ، وحفْظِ الطعام، وردِّ الريق، ولا أثر لضعفها؛ كضعف البطش والمشْيِ، ولو ضرب سن إنسان، فتزلزلت وتحرَّكت، نُظِرَ؛ إن سقطت بعد ذلك، وجب الأرش، وإن عادتِ كما كانت، فمنهم من يقول: تجب الحكومةُ، ومنهم من يقولُ: لا يجبُ شيء، ويشبه أن يكون هذا الخلافُ هو الخلافَ المذكورَ فيما إذا اندملَتِ الجراحةُ، ولا نقص ولا شَيْن، وإن بقيت كذلك ناقصةَ المنفعةِ، فالواجب عليه الأرش أو الحكومةُ؟ فيه القولان السابقان، فإن قلعها آخر، فعليه الأرْشُ، أن أوجبنا على الأولِ الحكومةَ، والحكومةُ إن


(١) وممن حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه والروياني في البحر فإن قيل كان ينبغي الجزم بعدم الوجوب لأن مناط الإيجاب المنبت وقد تبين أنه لم يفسد ولذلك قلنا لو قطع بعض أسنان الصغير الذي لم ينطق فتكلم بعد ذلك ببعض الحروف وجب في المقطوع بالقسط لا باعتبار أنه كان ناطقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>