قال القاضي ابْنُ كَجّ: لا يَبْعُدْ عنْدي جوازُه؛ تفْريعاً على الجديد.
وقال أبو عليٍّ الطَّبَرِيُّ: لا يجوز؛ لأنَّه تطرّق الجهالة إلى الثمن، ولا يجوز تعْليق العُمْرَى بأنْ يقولَ: إذا مات، أو قَدِمَ فلانٌ، أو جاءَ رَأْسُ الشهرِ، فقد أعْمَرْتُكَ هذه الدارَ، أو فهذه الدَّارُ لك عُمْرَى (١)، نعم لو علَّق بموته فقال: إذا مِتُّ، فهذه الدار لَكَ عُمْرَكَ، فهذه وصيَّةٌ يعتبر خروجُها من الثُّلُث.
ولو قال: إذا مِتُّ، فهي لك عُمْرَكَ، فإذا مِتَّ عادت إلى ورثتي، فهي وصية منْه بالعُمْرَى عَلَى صورة الحالة الثالثة.
ولو جَعَلَ رجلانِ كلَّ واحد منهما دَارَهُ للآخر عُمْرَهُ على أنَّهُ إن مات قَبْلَه عاد إلَى صاحب الدَّار، فهذه رُقْبَى من الجانبَيْنِ. ولو قال: دارِي لَكَ عُمْرَكَ، فإذا مِتُّ، فهي لَزيْد، أو عبْدِي لك عُمْرَكَ، فإذا مِتُّ، فهو حُرٌّ، صحَّ العُمْرَى؛ على قولنا الجديد ولغا المذكُورُ بعدها، والله أَعْلَمُ. وقولُه في الكتاب:"صحَّ؛ فإنَّه هبةٌ" يجوز إعلامه بالميم؛ لأنه يجعله عاريةً كما تقدَّم.
وقولُه "لم يصحَّ على القول القديم؛ لأنَّها مؤقتةٌ، وعلى الجديد يصحُّ ويتأبَّد" هكذا الصواب وفي أكثر النسخ سيَّما القديمةُ منْها عكْسُ ذلك. ويجوز أن يُعْلَم قوله:"لم يصحَّ" بالحاء والميم والألف، وبالواو أيضاً لما حكَيْنا عن الشيخ أبي إسْحَاقَ أنَّ القديم كوْنُ المال للمُعَمَّر، ورجُوعه بعد موته إلى المُعَمَّر.
وقوله: "فإن مِتّ عاد إليَّ، فهو بالبطلان أولَى الغرض منْه [أنَّ] البطلان ههنا أظْهَرُ منْه في صورة الإطْلاق عَلَى ما هو دأْبُ الترتيب لا تَرْجِيحُ البطلان على الصحَّة المقابلة له، بلِ الأظهرُ عنْد الأكثرين الصِّحَّة على ما بيَّنَّا، وكذلك في الرُّقْبَى واللهُ عزَّ وجلّ أعْلَمُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الرُّكنُ الثاني: المَوهُوبُ، وهو معتَبَرٌ بالبيع، فإنَّ الهبةَ تمليكٌ بأجرة؛ كالبيع فما جازَ بَيْعُ، جازَ هبَتُه، وما لا يجُوزُ بيعُه من مجهولٍ أو معجُوزٍ عن تسليمه، لا يجوز هِبَتُه، هذا هو الغَالِبُ، وربَّما اختلَفَا في الأقَلِّ.