وأشبههما: أنه لا يَجِبُ إلا مهْرٌ واحد؛ لأن الشُّبْهَةَ، وهي وُجُوبُ الإعْفَافِ شَامِلَةٌ لجميع الوَطَئَاتِ، وخصص في "التهذيب" الوَجْهَيْنِ بما إذا اتَّحَدَ المَجْلَسُ، وحكم بالتَّكْرارِ عند اخْتِلاَفِ المجلس، وَوَطِئَ أَحَدُ الشريكين الجَارِيَةَ المُشْتَرَكَةَ، وَوَطِئَ السَّيِّدُ المُكَاتَبَةُ مِرْاراً كَوَطَئاتِ جَارِيَةِ الابن، وإذا وجب مَهْرٌ واحد بِوَطَئاتٍ، فينظر إلى أعلى الأحْوَالِ، ويكون الوَاجِبُ مَهْرَ تلك الحالة؛ لأنه لو لم يُوجَدْ إلا الوَطْئَةُ الوَاقِعَةُ في تلك الحَالَةِ لَوَجَبَ ذلك المَهْرُ، فالوطئات البَاقِيَةُ إذا لم تَقْتَضِ زِيادَةً لا توجب نُقْصَاناً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطلاق قبل الدُّخُول يوجب تَشْطِيرَ الصَّدَاقَ بين الزَّوْجَيْنِ، قال الله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}[البقرة: ٢٣٧] ووجه ذلك من جِهَةِ المعنى؛ بأن ارْتِفاعَ العَقْدِ قبل تَسْلِيم المعقود عليه، يُسْقِطُ جميع العِوَضِ، كما في البيع والإِجَارَةِ، إلا أَنَّا قُلْنا بِسُقُوطَ البَعْضِ، دون البعض لتقريبين:
أحدهما: أن الزَّوْجَةَ كالمُسلمة إلى الزوج بنفس العَقْدِ؛ لأن التَّصَرُّفَاتِ التي يَمْلِكُها الزوج تَنْفُذُ من وقت النِّكَاحِ، ولا تَتَوَقَّفُ على القَبْضِ، فمن حيث إنه نَفَذَتِ التَّصَرّفاتُ اسْتَقَرَّ بعض العِوَضِ، ومن حيث إنه لم يتَّصِلْ بالمقصود سَقَطَ بَعْضُهُ.
والثاني: أنا لو حَكَمْنا بِسُقُوط جَمِيعِ المَهْرِ لاحْتَجْنا إلى إِيجَابِ شيء لِلْمُتْعَةِ، فكان إِبْقَاءُ شيء مما هو واجب أَوْلَى من إِثْبَاتِ ما ليس بِواجِبٍ.
وإذا عرفت ذلك فَاعْلَمْ أن كَلاَمَ الباب مُرَتَّبٌ على فصول:
أحدها: في موضع التَّشْطِيرِ، وكيفيته، أما المَوْضِعُ ففيه مسألتان:
إحداهما: الخُلْعُ كالطَّلاَقِ في اقْتِفَاءِ التَّشْطِيرِ؛ لأن الخُلْعَ، وإن كان يَتِمُّ بها فالمْغَلَّبُ فيه جَانِبُ الزوج؛ لأن المَقْصُودَ الأَصْلِيَّ منه الفِرَاقُ، وهو مستقلٌّ به، ولأنه يَتَمَكَّنُ من الخُلْع مع الأجنبي، وكذلك يَتَشَطَّرُ المَهْرُ لو فُوِّضَ إليها، فَطَلَّقَتْ نفسها، أو عَلَّقَ طَلاَقَهَا على دخولها، فدخلت، أو طَلَّقَهَا بعد انْقِضَاءِ مدة الإِيلاَءِ بطلبها، وكذلك