"لاتصلح الناس فوضى لا سراة لهمضض ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا" فلهذا .. اقتضت الحكمة الإلهية إرسال الرسل هادين إلى طريق السداد. سالكين بالأمم سبل الرشاد. يوضحون السبل. وينهجون بالناس أعدل الطرق -بقانون سماوي تستنير به البصائر. ويهتدي به من ظلمات الجهالات كل حائر فهو المنهاج القويم والصراط المستقيم. وقد خصنا الله سبحانه وتعالى بأول درة أضاءت من الكنز المخفي في ظلمة عماء القدم فأبصرتها عين الوجود. وعلة إيجاد كل درة برأتها بيد الحكيم إذ تردت في هذه العدم فعادت ترفل بأردية كرم وجود سيد العرب والعجم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وخصه بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فإن نزع العادة على النفس دفعة واحدة أشق فأوجب عليهم أولاً الوصية للأقربين قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} ... الآية من غير تعيين ولا توقيت بل فرض الأمر إليهم في التخصيص لتطمئن نفوسهم وتنكسر سورة غضبهم فيخصص كل منهم حسبما يرى من المصلحة ... فمنهم من ينصره أحد أخويه دون الآخر ومنهم من ينصره والده دون ولده وعلى هذا القياس. وكان إذا ظهر من موص جور في التخصيص جاز للقضاة أن يصلحوا وصيته ويغيروا فيها واستمر الحكم على ذلك مدة. ولما ظهرت أنوار الإسلام وانبعثت في الآفاق ورسخ في قلوبهم انتقل سبحانه وتعالى بهم إلى ما هو أضمن لمصالحهم وأحفظ لمودتهم فلم يجعل الخيرة لهم ولا إلى القضاة من بعدهم بل جعله على المظان الغالبية في علمه من عادات العرب والعجم وغيرهم مما هو كالأمر الجبلي ومخالفه =