للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يُصَوَّرَ التَّعَارُضُ من غير التَّعَارُضِ. للنفي؛ بأن عَيَّنَا وَقْتاً لا يمكن فيه إلا وُلُوغٌ وَاحِدٌ (١). وإنه لو شهد شَاهِدَانِ بِالقَتْلِ على رَجُلٍ في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وآخران بأنه لم يَقْتُلُ في ذلك الوَقْتِ؛ لأنه كان مَعَنَا، ولم يَغِبْ عنا تَتَعَارَضُ البَيِّنَتَّانِ. وقد سبق من نَظَائِرِ هذا ما يُخَالِفُهُ (٢).وإن من أَرَادَ أن يَدَّعِي ويُقِيمَ البَيَّنَةَ من غَيْرِ أن يَعْتَرِفَ للمدعى عليه باليد، فطريقه (٣) أن يقول: المَوْضِعُ الفُلاَنِيُّ مِلْكِي، وهذا يَمْنَعُنِي منه تَعَدّياً، فَمُرْهُ يُمَكِّنِّي منه.

بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ وَإلْحَاقِ القَائِفِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَهُ أرْكَانٌ: (الأَوَّلُ: المُسْتَلْحَقُ) وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الحُرِّ وَالعَبْدِ وَالمُعْتَقِ، وَفِي العَبْدِ وَالمُعْتَقِ وَجْهٌ أَنَّهُ لاَ يَثْبِتُ نسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الوَلاَءِ، وَيَصِحُّ اسْتلْحَاقُ المَرْأَةِ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إلاَّ إِذَا كَانَتْ خَلِيَّةً مِنَ الزَّوْجِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مُعْظَمُ مَقْصُودِ الباب، الكلام في القَائِف، وشرطه. فأما الاسْتِلْحَاقُ، وما يُعْتَبَرُ فيه في المُسْتَلْحِقِ، [والمُسْتَلْحَقِ] (٤) فالقول فيها، قد مَرَّ بَعْضُهُ في كتاب اللَّقِيطِ، وأكثره في باب الإِقْرَارِ بالنَّسَبِ.

وصَدَّرَ الشَّافعي -رضي الله عنه- الكَلاَمَ في القِيَافَةِ بما رُوِيَ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرف السُّرُورَ في وجْهِهِ. فقال: "أَلَمْ تَرَيْ [أَنَّ] (٥) مُجَزِّزَا المُدْلِجِيَّ نَظَرَ إِلَى أُسَامَةَ وَزَيْدٍ عَلَيْهمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤوسَهُمَا وبَدَتْ أقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقدَامَ بعْضُهَا مِنْ بَعْض" (٦).


(١) قال النووي: هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطهارة مستوفاة مختصرة، وفي هذا الذي ذكره العبادي فيها من إثبات التعارض تصريح بقبول شهادة النفي في المحصور كما سبق قريباً.
(٢) قال النووي: يعني أن البينة الثانية شهدت بالنفي، وقد سبق أن شهادة النفي لا تقبل إلا في مواضع الضرورة، كالإعسار، هذا مراد الرافعي هنا، وقد تقدم في الفصل السابق عن فتاوى الغزالي ما يوافقه، ولكنه ضعيف مردود، بل الصواب أن النفي إذا كان في محصور يحصل العلم به، قبلت الشهادة به، وقد سبق ذكري لهذه المسألة في الشهادات.
(٣) في ز: بطريقة.
(٤) سقط في: أ.
(٥) سقط في: أ.
(٦) متفق عليه البخاري [٣٥٥٥ - ٣٧٣١ - ٦٧٧٠ - ٦٧٧١ مسلم ١٤٥٩] قال الرافعي: كان المشركون يطعنون في نسب أسامة لانه كان طويلاً أفتى الأنف أسود، وكان زيد قصيراً أخنس الانف بين السواد والبياض، وقصدوا بالطعن مغايظة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهما كانا حبه، فلما قال المدلجي ذلك، ولا يرى إلا أقدامهما سره ذلك، انتهى فأما ألوانهما، فقال أبو داود: كان زيد =

<<  <  ج: ص:  >  >>