للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الصَّوْمُ ليس بعُذْرٍ في ترك إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ؛ روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيُطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيَصلْ" (١) أي: فليدع، وإذا كان صَائِماً، فالصَّوْمُ إما فَرْضٌ أو نَفْلٌ، إن كان فَرْضاً، وكان الوقت مُضَيَّقاً، فلا يجوز أن يُفْطِرَ، وإن لم يكن كالنَّذْرِ المطلق، وقضاء رَمَضَانَ، فهو كالمُضَيَق وَقْته، إن لم نجوز الخروج منه، وإن جَوَّزْنَاهُ فقد قيل: هو كَصَوْمِ النَّفْلِ.

وعن القاضي الحسين: أنه يُكْرَهُ الخُرُوجُ منه؛ لأن ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ، وقد يعوق عَائِقٌ عن التدارك، وإن كان صَوْمُهُ نَفْلاً، فإن لم يَشقَّ على صاحب الدَّعْوَةِ وِإِمْسَاكُهُ، فالأوْلَى أن يتم الصَّوْمَ، وإن شَقَّ عليه، فالأوْلَى أن يُفْطِرَ رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- حَضَرَ دَارَ بَعْضِهِمْ، فلما قدم الطعام، أَمْسَكَ بَعْضُ القَوْمِ، وقال: إني صَائِمٌ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَتَكَلَّفُ لَكَ أَخُوكَ المُسْلِمُ، وَتَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ أَفْطِرُ ثُمّ أَقْضِ يَوْماً مَكَانَهُ" (٢).

وأما المُفْطِرُ، فينبغي إذا حَضَرَ أن يَأْكُلَ، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه واجب، وأقله لُقْمَةٌ؛ لأن المَقْصُودَ من الدعوة التَّنَاوُلُ، ولأن تركه الأكل يورث الوَحْشَةَ.

وأصحهما: أنه مُسْتَحَبٌّ لا واجب، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإنْ شَاءَ تَرَكَ" ولفظ صاحب "التتمة" يقتضي تَعْمِيمَ هذين الوجْهَيْنِ في جميع الصيامات، إذا حضر وأما قوله في الكتاب: "وإذا دعي جمع سقط الفَرْض بإجابة بعضهم" إن كان المُرَادُ منه ما إذا بعث لإحْضَارِ جَمْعٍ من غير تَعّيينٍ، فقد ذكرنا أنه لا افْتِرَاضَ هناك، فكيف نقول: يَسْقُطُ الفَرْضُ، وإن كان المراد ما إذا دَعَى جَمَاعَةً بأعيانهم، فالذي ذكره مُفَرَّعٌ على القَوْلِ بافْتِرَاضِ الإِجَابَةِ، ثم هو جَوَابٌ على أحد الوجهين، وهو أنها فَرْضٌ على الكفَايَةِ، وقد مال إلى ترجيحه الحناطيُّ.

" فَرْعَانِ"

أحدهما: إذا دعاه مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، كَرِهْتُ إِجَايَتَهُ، كما تُكْرَهُ المُعَامَلَةُ معه، وإن علم أن عَيْنَ الطعام حَرَامٌ، لم يَخْفَ الحُكْمُ.


(١) رواه مسلم [١٤٣١] من حديث أبي هريرة، وفي رواية له: وإن كان صائماً دعا بالبركة.
(٢) وأقله لقمة وأصحهما أنه مستحب صحح النووي في شرح مسلم الوجوب، واختاره في تصحيح التنبيه.
قال في الخادم: وهو أقوى لكن لم أجد من وافقه على الصحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>