وأما قوله في الكتاب:"ونَعْنِي بِالقَذْفِ مُوجِبَ الحَدِّ، أَمَّا التَّعْزِيرُ فَيَجِبُ بَأَكْثرِ هَذِهِ الكَلِمات" فسنذكر المقصود منه على الأثر، إن شاء الله تعالى.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا بد من الإحصان في المقذوف؛ ليجب الحدُّ على القاذف، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}[النور: ٤] الآيةُ فإن فُقِدَ الإحصان، فالواجب التعزير، ومقصود الفصل الكلامُ في الإحصان، وقد جرت العادَةُ بذكره هاهنا، وإن كان بابُ حَدِّ القذف أحقّ به.
وقوله "في موجب القذف؛ وهو التعزير إلا إذا قذف محصناً" فهو ذهابٌ إلى أن القذف بمطلقه يوجب التعزير، والذي يُوجب الحدَّ، فهو قذف المحصن خاصَّةً، ويمكن توجيهه بأن القذف هو الرمْيُ، يقال: قَذَفَ الحجارة أي رماها، وهذا المعنى شاملٌ لنسبة المحصن وغير المحصن إلى الزنا، بل لسائر أنْوَاع السَّبِّ والإيذاء، وكان السَّابُّ يرمي المسبوب بالكلمة المؤذية، والتعزيرُ هو التأديبُ، وذلك يشمل الحدَّ وما دونه، وإن اشْتهر في اصطلاح الفقه بما دون الحَدِّ، وإذا تناول لفْظُ القذف المُحْصَنَ وغيره، ولفظُ التعزيرِ الحدَّ وما دونه، انتظم أن يقال: القذف بمطلقه يوجب التعزيرَ، وقذفُ المُحصَنِ بخصوصة يوجب الحدَّ، وهو ثمانون جلدةً على ما سيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى-، وما ذكره في آخر الفَصْل الأوَّل:"أنا نعني بالقذف موجب الحد" إلى آخره؛ فإنه لا ينافي قوْلَه "بأن مُوجِب القَذْف التعزير"، بل هذا يعرض لحقيقة الأمر، والمراد هنا بيان أنَّه عني بما أطلقه في صُوَر الفصْل أن هذا قذف، وهذا ليس بقذف الصريح الَّذي يتعلق به الحدُّ عند حصول شرطه، والتعزير قد يجب، وإن لم يكن اللفظ صريحًا؛ لما يتعلَّق به من الإيذاء، كما سبق فيما إذ قَالَ: لسْتَ ابن الملاعِنِ، وكذا الحكم في قوله: زنا عينك أو يدك، ونظائرهما.
إذا عرف ذلك فشرائط الإحصان أربعٌ:
التكليفُ، وهو يعتمد العَقْل، والبلوغ، والحرية، والإِسلام والعفة عن الزنا فلو