وهي إجارة يراعى فيها شرائطها، وكذا المُصَالَحَة عن البيتوتة على سَطْحِ الجَارِ، ثم لو باع مستحق البيتوتة مَنْزِله، فليس للمشتري أن يبيت عَلَيْهِ، بخلاف ما إذا بَاعَ مستحق إجراء الماء على سَطْحِ الغير مدة بقاء دَارِه فإنه يستحق للمشتري الإجراء بقية المدة؛ لأن إجراء الماء مِنْ مرافق الدَّارِ دون البيتوتة.
وقوله في الكتاب:(ولا يجوز بيعُ حَقِّ الهَوَاءِ لإِشْرَاعِ جناح) هذه المسألة احتج بها المُزَنِي، للمنع من بَيْعِ حَقِّ البِنَاء، وفرق الأصحاب بأن ذاك اعتياض عن مجرد الهواء، وحق البناء تَعَلَّق بِعَيْنِ المَوْضِعِ المَبْنِي عَلَيْهِ، حتى لو صالحه عن موضع الجذوع المشرعة على جِدَارِهِ صَحّ، ولهذا يجوز إكراء المَالِك للبناء بالاتفاق، ولا يجوز إكراء الهَوَاء، وكل حق يتعلق بغير مجرى الماء والممر، فهو كحق البناء بلا فرق.
وقوله:(حتى مسيل الماء ومجراه)؛ اللفظتان متقاربتان، ويمكن حمل المسيل على المُوْضِع الذي ينحدر إليه الماء، ويقف إلى النضوب، والمجرى على الموضع الذي يجري فيه الماء. وقوله:(وكل الحقوق المقصودة على التأييد)، فيه إشعار بأن الحقوق المتعلقة بالأعْيَانِ لما كانت مقصودة على التأييد ألحقت بالأعْيَانِ حتى استغنى العقد الوَارِد عَلَيْهَا عن التأقيت.
فرع: لو خرجت أغصان شَجَرَتِهِ إلى هَوَاءِ مِلْكِ الجَارِ، فللجار أن يطالبه بإزالتها، فإن لم يَفْعَل فله تحويلها عن مِلْكِهِ، فإن لم يمكن فَلَهُ قَطْعُهَا، ولا يحتاج فيه إلى إذن القَاضِي، وفيه وجه ضَعِيفٌ، ولو صالحه على إبقائها بِعِوَضٍ لم يجز إن لم يستند الغُصْن إلى شَيْءٍ، لأنه اعتياض عن مُجَرَّدِ الهَوَاءِ، وإن استند إلى جِدَارٍ فإن كان بعد الجفاف جاز، وإن كان رطبا فَلاَ؛ لأنه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وَضَرَرِهِ، وعن طَائِفَةٍ من أصحابنا البصريين، أنه يجوز وما ينمو يكون تابعاً، وانتشار العروق كانتشار الأغصان، وكذلك مَيْلُ الجِدَار إلى هواء الجَارِ، قاله الإصْطَخْرِي.