الأولى: إذا ادَعَى رجلٌ على رَجُلَيْنِ داراً في أيديهما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبت له النِّصْف بإقرار المصدق، والقول قول المُكَذِّب في إِنْكَارِه، فلو صَالَحَ المُدَّعِي المقر على مَالٍ، فأراد المكذب أخذه بالشفعة هل له ذلك؟ اختلف طرق الناقلين في الجَوَابِ، قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقوْمٌ: إن ملكها في الظَّاهِرِ بسببين مختلفين فله ذلك؛ لأنه لا تعلق لأحد الملكين بالآخر، وإن ملكها بِسَبَبٍ واحِدٍ من إرث أو شِرَاءٍ فوجهان:
أحدهما: المنع؛ لأن الدَّارَ يزعم المكذب أنها لَيْسَتْ لِلمُدَّعِي، فإن في ضمن إنكاره تَكْذِيب المدعي في نَصِيب المُقِر أيضاً، وحينئذ يكون الصّلْحُ بَاطِلاً.
وأظهرهما: أن له الأخذ لحكمنا في الظَّاهِرِ بصحة الصُّلْح وانتقال المِلْكِ إلى المُقِر، ولا يبعد انتقال نصيب أحَدِهِمَا إلى المُدَّعِي دون الآخر، إن ملكاه بسَبَبٍ وَاحِدٍ، وهذا الطريق هو الذي أورده الإِمَام والمُصَنِّف في "الوسيط" لكنهما جعلا أظْهَرَ الوَجْهَيْنِ المَنْعَ وفي أصل الطريقة إشْكَال؛ لأنا لا نحكم بالملك إلا بِظَاهِرِ اليَدِ، ولا دلالة لِلْيَدِ على اختلاف السَّبَبِ واتحاده فيما يعرف الحاكم الاختلاف والاتحاد، وإلى قول من يرجع ومن الذي يقيم البينة عليه، وقال صَاحِب الكِتَاب هاهنا: إن ادعى عليهما عن جهتين فللمكذب الأخذ بالشفعة، وإن ادعى عن جهة واحدة ففيه الوجهان، وفيه وقفات أيضاً، وقصور عن الوفاء بالجواب؛ لأن المدعي ليس من شرطه التعرض لِسَبَبِ المِلْكِ، وبتقدير تعرضه له فليس من شرط الإنكار نفي السبب بل يكفي نفي الملك وبتقدير تعرضه فلا يلزم من تكذيبه المدعي في قوله: ورثت هذه الدار، زعم أنه لم يرث نِصْفَها، وقال ابْنُ الصَّبَّاغِ: إن اقتصر المكذب على أنه لاَ شَيْءَ لَكَ في يدي أو لا يلزمني تسليم شيء إليك أخذ بالشفعة، وإن قال مع ذلك: وهذه الدَّار ورثناها ففيه الوجهان: وهذا أقرب الطرق على أن قوله: ورثناها لا يقتضي بقاء نَصِيب الشَّرِيكِ فِي مِلْكِهِ، بل يجوز انتقاله إلى المدعي، فليقطع بجواز الأخذ بالشُّفْعة، إلا أن يتعرض لكون الشريك مَالِكاً في الحَال (١). هذا إذا ادعى رجلٌ على رَجُلَيْنِ.
ولو ادعى رجلانِ داراً في يَدِ رَجُلِ فأقر لِأحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا نظر، إن ادعيا أنهما وَرِثَاهَا شَارَكَ المكذب المصدق فيما سَلِّمَهُ المُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لأن الإرْثَ يقتضي شيوع التركة بين الورثة، فيما يخلص يكون بينهما، وصار كما لو تَلَفَ بعض التركة وحصل البعض هذا إذا لم يتعرضَا لِقَبْضِ الدار، أما إذا قَالاَ: قبضناها وورثناها ثم غصبتَها مِنَّا فوجهان:
(١) قال النووي: هذا الذي اختاره هو الصواب وقد قطع به هكذا القاضي أبو الطيب في تعليقه. ينظر الروضة ٣/ ٤٥٧.