عن الشيخ أبي عاصم العبَّاديِّ: إذا وقَف عَلَى قنطرةٍ، فانخرق الوادِي، وتعطَّلت تلْكَ القنطرةُ، واحْتِيجَ إلى قَنْطرةٍ أُخرَى، جاز النقل إلى ذلك الموضِع، بخلافِ المَسْجد الذي باد أهْلُهُ حيْثُ تبقى عمارتُهُ، ويعمر بعدما خَرِبَ، إن أمكن أن يصلي فيه المارَّة.
وإذا وقَف عَلَى عمارةِ المَسْجد، جاز أن يشتري منْه سُلَّم لصعود السَّطْح، ومكانِسُ يُكْنِس بها التراب ومساهي ينقل بها التراب؛ لأنَّ كلَّ ذلك يَحْفَظُ العمارة، ولو كان يصيبُ بابَهُ المطرُ، وُيفْسِدُه، جاز بناءُ مظلَّة منْه، وينبغي ألاَّ تضرَّ بالمارة، وإذا وقَف عَلَى دُهْن السراج للمسْجد. جاز وضْعُه في جميع اللَّيْل؛ لأنَّه أنشط للمصلِّين (١).
وذكر الأئمة أنَّ البقْعَةَ التي جعَلَها مسْجداً، إذا كان فيها شجرةٌ، جاز للإمام قلْعها باجتهاده؛ ليتسع للمصلِّين، وبماذا ينقطع حقُّ الواقف عن الشجرة؟
قال صاحبُ الكتاب في "الفتاوى": مجرَّدُ ذكر الأرْض لا يخرج الشَّجَرة عنْ ملكه لبَيْع الأرض، وحينئذ لا يكلَّف تفريغ الأرض، ولك أن تقول: في استتباعِ الأرْض الشجر في البَيْع قولان. وإذا قال: جَعَلْتُ هذه الأرضَ مسْجداً فلا تدخل الشجرة بحالٍ؛ لأنَّها لا يُجْعَلُ مسْجداً، ولوْ جعَل الأرضَ مَسْجداً، ووقف الشَّجَرةَ عليها. فَعلَى هذه الصورةِ وَنَحْوِها يُنَزَّلُ كلامُ الأصحاب.
وأفتَى صاحبُ الكتاب بأنَّه يجوز وقْفُ السُّتُور ليستر بها جدران المَسْجد، وينبغي أنْ يجيْء فيه الخلافُ المذكَورُ في النَّقْش والتَّزْويق. وأفتَى بأنَّه إذا وقف على المَسْجدُ مُطْلقاً، جاز صرْفُ الغلَّة إلى الإمام والمؤذِّنِ، وبناء منارة المسجد، وُيشْبِه أن يجُوزَ بناءُ المنارة منَ المَوْقُوف عَلَى عمارةِ المَسْجد أيضاً، والله أعلم.
(١) قال النووي: إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما. فإن كان المسجد مغلقاً ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله، لم يسرج لأنه إضاعة مال.