للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ التَّفْرِيطُ فِي النَّوْمِ، وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخَّرَ صَلاَةٌ حَتَّى يَدْخُلُ وَقْتُ صَلاَةٍ أُخْرَى" (١).

ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى، ولا يخفى عليك مما ذكرناه المواضع المستحقة للعلامات من ألفاظ الكتاب، وأن قوله: "ووقت الجواز إلى طلوع الفجر المراد منه الفجر الثاني" وقوله: في تفسير الشفق "دون البياض والصفرة" لا كلام في أن البياض خارج عن تفسير الشفق عندنا، وأنه لا يعتبر غروبه.

وأما الصفرة فقد ذكر إمام الحرمين في "النهاية": أن أول وقت العشاء يدخل بزوال الحمرة والصفرة، والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ثم ترق إلى أن تنقلب صفرة ثم يبقى بياض. قال: وبين غيبوبة الشمس إلى زوال الصفرة كما بين الصبح الصادق إلى طلوع قرن الشمس، وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض يقرب مما بين الصبح الصادق والكاذب، ونقل صاحب الكتاب في "البسيط" هذا الكلام، لكن الذي يوافق إطلاق المعظم ما ذكره في هذا الموضع، وهو الاكتفاء بغيبوبة الحمرة.

ولفظ الشافعي -رضي الله عنه- دال عليه، ألا تراه يقول في "المختصر": وإذا غاب الشفق وهو الحمرة فهو أول وقت العشاء، ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي. أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء، إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلدان إليهم، ذكره القاضي حسين في "فتاويه".

قال الغزالي: وَوَقْتُ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ الُمْستَطِيرِ ضَؤْءُهُ لاَ بِالفَجْرِ الكَاذِبِ الَّذِي يَبْدُو مُسْتَطِيلاً كَذَنَبِ السِّرْحَانِ، ثُمَّ يَنْمَحِقُ أَثَرُهُ ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ الاخْتِيَارِ إلَى الإِسْفَارِ، وَوَقْتُ الجَوَازِ اِلَى الطُّلُوعِ.

[القول في صلاة الصبح]

قال الرافعي: يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق ولا عبرة بالفجر الكاذب.

والصادق هو المستطير الذي لا يزال ضوؤه يزداد ويعترض في الأفق، سمى مستطيراً لانتشاره قال الله تعالى: {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (٢) والكاذب يبدو مستطيلاٍ ذاهباً في السماء، ثم ينمحق وتصير الدنيا أظلم مما كانت والعرب تشبهه بذنب السرحان، لمعنيين:


(١) أخرجه مسلم (٦٨١) وأبو داود (٤٣٧) والترمذي (١٧٧).
(٢) سورة الإنسان، آية ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>