خلافاً كما ذكره في الكتاب، وليس قوله:(وقيل الكل لا يتعين) محمولاً على طريقةٍ قاطعةٍ بنفسي التعين في الكُلِّ، فإنه لاصَائِرَ إليه في المسجد الحَرَام.
ولا قوله:(وقيل الكل يتعين) محمولاً على طريقة قاطعة بالتعيين في الُكلِّ، فإنه لم ينقلها أحد في غير المساجد الثلاثة، ولكن الطريقة المذكورة أولاً قاطعة بالتعين في المَسْجِد الحرام، وبعدم التعين فيما سوى المَسَاجِدِ الثلاثة، فالغرض من قوله (قيل وقيل) بيان أن كل واحد من القطعين قد نازع فيه بعض الأصحاب، ومتى حكمنا بالتعيين فإذا عَيَّنَ المسجد الحرام لم يقم غيره مقامة، وإن عَيَّن مَسْجِدَ المدينة لم يقم غيره مقامه إلا المسجد الحرام، وإن عين المسجد الأقصى لم يقم غيره مقامَة، إلا المسجد الحَرَام، ومسجد المدينة، وإن حكمنا بِعَدَمِ التعين، فليس له الخُروُج بعد الشروع لينتقل إلى مسجدٍ آخر، لكن وكان ينقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة، أو أقرب كان له ذلك في أصَحِّ الوجهين.
وأما الزمان ففي تعيينه بالتعيين وجهان:
أحدهما: وهو المذهب: أنه يتعين حتى لا يجوز التقديم عليه، ولو تأخر كان ذلك قضاء الفائت.
والثاني: لا يتعين كما لا يتعين في نذر الطَّلاة والصدقة، والوجهان جَارِيان بِعَيْنِهما، فيما إذا عين زمان الصوم، وقد ذكرهما في الكتاب في النذور، وسيأتي شَرْحُه عليهما -إن شاء الله- وهذا الكلام يعرفك أن قوله:(فالمذهب أنه يتعين كما في الصوم) ليس كقياس التعين في الوجه الذي هو المذهب على التعين في الصَّوْمِ، فإن الخلاف فيهما وَاحدِ، وإنما الغرض تشبيه الخِلاَفِ بالخِلاَفِ.
قال الرَّافِعيُّ: الاعتكاف المنذور يمتاز عن غير المنذور منه بأمورٍ رَاجِعَةٍ إلى كيفية لفظ الناذر والتزامه، ومقصود الفَصْلِ الثَّانِي الكلام في ثلاثة أمور منها.