من نذر اعتكافا لم يخل إما أن يطلق أو يقدر مُدَّة، فإن أطلق فقد ذكرنا ما يلزمه. وما يستحب له، وإن قَدَّرَ مُدَّة فأما أن يُطْلِقَهَا أَو يُعَيِّنُهَا.
الحالة الأولى: أن يطلقها فينظر إن آشترط التتابع لزمه، كما اشترط التتابع في الصَّوم، وإن لم يشترطه بل قال: على شهر أو عشرة أيام لم يلزمه التتابع كما في نظره من الصَّوُمِ، وخرج ابن سُرَيْجٍ قولاً: أنه يلزم، وبه قال مالك، وأبو حنيفه، وأحمد -رحمهم الله- كما لو حلف ألا يكلم زيداً شهراً يكون متتابعاً، وظاهر المذهب الأولى وهو المذكور في الكتاب، ولكن يستحب رعاية التتابع، وعلى هذا فلو لم يتعرض له لفظاً، ولكن نواة بقلبه فهل يلزمه؟ فيه وجهان: قال صاحب "التهذيب" وغيره:
أصحهما: أنه لا يَلْزمه، كما لو نذر أصل الإعتكاف بقلبه، ولو شرط التفرق فهل يخرج عن العهدة بالمتتابع؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم؛ لأنه أفضل كما لو عَيَّن غير المسجد الحَرَام، ويخرج عن العهدة بالإعتكاف في المسجد الحرام، ولو نذر اعتكاف يَوْمِ فهل يجوز تفريق السَّاعات على الأيام؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، تِنزيلاً للساعات من اليوم منزلة الأيَّامِ مِنَ الشَّهر.
أصحهما: وبه قال أبو إسْحَاقَ والأكثرون: لا، لأنَّ المفهومَ مِنْ لفظ اليْوم المتصل، وقد حُكِي عن الخَلِيلِ أن اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس.
ولو دخل المجسد في أثناء النهار وخرج بعد الغروب ثم عاد قبيل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت فهو على هذين الوجهين ولو لم يخرج بالليل فجواب الأكثرين أنه يجزئه، سواء جوزنا التفريق أو منعناه، لحصول التواصل بالبيتوته في المسجد. وعن أبي إِسْحَاق أنه لا يجزئه تفريعاً على الوجه الثاني؛ لأنه لم بات بَيْوم متواصل الساعات الليلة ليست من اليوم، فلا فرق بين أن يخرج منها عن المَسْجِد أولاً يخرج، وهذا هو الوجه. ولو قال في أثناء النهار: لله على أن أعتكف يوماً من هذا الوقت فقد أطبق حماة المذهب على أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوَقْت إلى مثله من اليوم الثاني، ولا يجوز أن يخرج بالليل ليتحقق التتابع، وفيه توقف من جهة المعنى؛ لأن الملتزم يوم، والبَعْضَان يوم وليلة، والليلة المتخللة ليست من اليوم، فلا تمنع التتابع بينهما، كما أنها لا تمنع وصف اليومين الكَامِلَيْنِ بالتتابع، والقِيَاس أن يجعل فائدة التقيد في هذه الصُّورة القَطْع يجواز التَّفْرِيق لا غير، ثم حكى الإمامُ تَفريعاً على جَوازِ تفريق السَّاعاتِ عن الأصحاب أنه يكفيه سَاعَات أقصر الأيام؛ لأنه لو اعتكف أقصر الأيام جاز، ثم قال: إن فرق على ساعات أقصر الأيام في سنين فالأمر كذلك، وإن اعتكف في أَيَّامٍ متباينة في الطُّول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم