للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتحرزَّ العادلُ عن قتال قريبه مِنْ الباغين ما أمكنه، قال في "التتمة"، ويجب على الواحدِ من أهْلِ العدْل مصابرةُ اثنَيْنِ من أهل البغْي، كما في قتال الكلفار، فلا يولِّي عنهما إلا مُتَحرفاً لقتال أو متحيِّزاً إلى فئة.

وعن نصِّه في "المبسوط" أنه إذا غزا أهل العدْلِ وأهلُ البغْيِ المشركين، فاجتمعوا في بلاد الشرْك، فهم في الغنيمة (١) سواءٌ والقاتل منْهم يستحق السَّلب، وأما الخُمْسُ، فيتولى تفرقته الإمامُ، وأنه لو وادَعَ أهلُ الحرب قوماً مِنْ المشركين، لم يقصدهم (٢) أحد من المسلمين، ولو غزا أهلُ البغْي قوماً مِنْ المشركين، وقد وادَعهم الإمامُ، فسَبَوْا منهم، فإذا ظهر (٣) الإمامُ عليهم، رَدَّ السبْيَ على المشركين، وأنه لو أمن أهلُ العدل رجلاً مِنْ أهل البغْيِ، فقتله رجلٌ جاهلاً بأمانه، وقال: عرفته بالبغْي وقَدَّرْتُ أنه جاء لينال مِنَّا غِرةً حُلِّف، وأُلْزِم الديةَ، وإن قتلَه عامداً، أُقيدَ به، وأنه لو قَتل رجُلٌ من أهل العدل آخر منهم في القتال، وقال: ظننته مِنْ الباغين، حُلِّف، وضمن الدية، وأنه لو سبى المشركُون من أهْلِ البغْي، وقَدَر أهل العدْلِ على استنفاذهم، وجب الاستنفاذ (٤)، والله أعلم.

قال الْغَزَالِيُّ: الجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ: الرِّدَّةُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الإِسْلاَمِ مِنْ مُكَلَّفٍ إِمَّا بِفِعْل كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَعِبَادَةِ الشَّمْسِ وَإِلْقَاءِ المُصْحَفِ فِي القَاذُورَاتِ وَكُلِّ فِعْل صَرِيحِ فِي الاسْتِهْزَاءِ، وَإِمَّا بِقَوْلٍ عِنَاداً أَوِ اسْتِهْزَاءً أَوِ اعْتِقَاداً فَكُلُّ ذَلِكَ رِدَّةٌ مِنَ المُكَلَّفِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكرَانُ كَالصَّاحِي فِي قَوْلٍ، وَكَالْمَجْنْونِ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ صُحِّحَتْ رِدَّتُهُ فَإِسْلاَمُهُ فِي السُّكْرِ يَرْفَعُهُ إِلاَّ إِذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الرِّدَّةُ أفحش أنواع الكفْر، وأغلَظَها حكماً، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: ٢١٧] وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] وعن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ" (٥) الحديثُ، وعن ابن عباسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" (٦) والكلام في الردة في طرفَيْنِ:


في أ: العصمة.
(٢) في ز: يفصل هم.
(٣) في ز: فإن أظهر.
(٤) في ز: الاستيفاده.
(٥) تقدم.
(٦) رواه البخاري من حديث ابن عباس، ومن قصة لعلي بن أبي طالب، وفي الباب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في الطبراني الكبير، وعن عائشة في الأوسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>