للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله "إن كانوا جاهلين بالحق" أي قالوا: ظنَنَّا أنهم الفئة المحِقَّة، كما ذكرنا في حقِّ أهل الحرب، وليكُنِ التصويرُ فيما إذا ذَكروا مع ذلك أنهم ظَنّوا جوازَ القتال [مع] المحقِّين، وإلا، فلَيْس لهم قتالُ المحقَّة ولا المخطئة.

وليعلَمْ قوله "قولان" بالواو؛ لأن من الأصحاب مَنْ نَفَى الخلافَ، وقال: حيث قال: "ينتقض" أراد حالة العِلْم، وحيث قال "لا ينتقض" أراد ما إذا أظهروا عذْراً.

وقوله "على الظاهر" يُشْعِر بإثبات خلاف في ضمان ما أتلفوا، وسكَتَ عنه في "الوسيط"، وكذلك لم يتعرَّض له أكثرهم، لكنه صحيح من وجهين:

أحدهما: أن قوله "وجب ضمان ما أتلفوا عليهم" يشمل إتلاف النفْس، والمال، وضمانُ النفْسِ القصاصُ، وقد ذكرنا عن الإِمام روايةَ وجهين في القصاص.

والثاني: أن القاضي ابن كج قال: إذا قلْنا: لا ينتقض الأمان، فجاءنا ذِمِّيٌّ تائباً، ففى ضمان ما أتلفوا طريقان:

أحدهما: أنه على القولَيْن في أن أهُل البغْيِ هل يضمنون؟.

والثاني: القطْع بأنهم يَضْمَنُون.

وهذه مسائل أُخَرُ تدْخُل في الباب.

إذا استعان أهل البغْي بمَنْ لهم أمانٌ إلى مدة انتقض أمانُهم، فإن قالوا: كنا مكرَهِين، وأقاموا بيِّنةً على الإكراه، فهم على العهد، وإلا، أنتقض أيضاً؛ لأن أمانَهُم ينتقض بخَوْفِ الخيانة، فبحقيقة القتال أولَى بخلاف أهل الذمة.

وإذا اقتتلتْ فئتان باغيتان، فإن قدَر الإمامُ على قهرهما وهزمهما، لم يُعِنْ إحداهما على الأخرى، إلا إذا رجعت إحداهما إلى الطاعة، فيُعِينُها على الأخرى، وإن لم يَقْدرِ على قهرهما (١) جميعاً، ضم أقربهما إلى الحقِّ إلى نفسه، واستعان بها على الأخرَى، وإن استويا، اجتهد فيهما، ولا يَقْصِد بضَمِّ التي يضمها إلى نفْسه معاونَتَها، بل يقصْد دفْع الأخرَى، فإذا اندفع شر الأخرَى، لم يقاتل التي ضمَّها إلى نفسه إلا بعد أن يدعوها إلى الطاعة ويُنذرها؛ لأنها بالاستعانة بها صارت في أمانه، ولو أمن واحدٌ مِنْ أهل العدل (٢) واحداً مِنْ أهل البغْي نفذ أمانهُ، سواء كان حرّاً أو عبْداً [رجلاً] أو امرأة.

وحكمُ دار البغْيِ حكمُ دار الإِسلام، ولو جرَى فيها ما يوجب الحدَّ، أقامَ الإمامُ الحدَّ، إذا استولَى عليها، وقال أبو حنيفة: حكْمُها حكمُ دارِ الحَرْبِ، فلا يقيم الإمامُ الحدَّ، إذا استولَى عليها.


(١) في ز: دفعهما.
(٢) في ز: الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>