للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع، فيعرض عنه احتياطاً، فإن رجع، فذاك، وإلا، أقيم عليه الحدُّ، ولو اتُّبعَ الهارِبُ، فرُجِمَ، فلا ضمان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُوجِبْ عليهم في قصَّة ماعز شيئاً، والرجوعُ عن الإقرار بِشُرْبِ الخمر كالرجوع عن الإقرار بالزنا، وفي الرجوع عن الإقرار بالسرقة وقَطْع الطريقِ خلافٌ سيأتي في "السَّرِقة" إن شاء الله تعالى:

ولو تاب مَنْ ثبت زناه، فهل يَسْقط الحدُّ عنه بالتوبة؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم؛ لأنه رُوِيَ في بعض الروايات أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لماعِز: "ارْجِعْ، فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ".

وَرُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "هلاَّ رَدَدتُّمُوهُ إِلَيَّ لَعَلِّهُ يَتُوبُ".

وأصحُّهما، وهو الجديد، وبه قال أبو حنيفة: أنه لا يَسْقط؛ كيلا يتخذ، ذلك ذريعةً إلى إسقاط الحدود وإبطال الزواجر، ويدل عليه قولُه -صلى الله عليه وسلم- (١): "مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدِّ اللهِ تَعَالَى، ولفظ "التوبة" في قصة ماعزٍ محمولةٌ على الرجوع عن الإقْرَار، وفي موْضِع القولَيْنِ طريقان:

أحدهما: أنهما جاريان فيما إذا تاب قَبْل الرفع إلى القاضي وبَعْدَه.

والثاني: أن القَوْلَيْنِ مَخْصُوْصانِ بما إذا تاب قبل الرفْع، أما بعْده، فيقطع بأنه، لا يَسْقِطُ الحد، وتمام الكلام في مسألة التوبة يأتي في "قطْع الطريق" إن شاء الله تعالى.

وقوله في الكتاب "ويكفي الإقرار مرةً واحدةً" معلم بالحاء والألف.

وقوله "سقط الحد" بالميم، ويُرْوَى عن مالك أنَّه قال: إن ذكر [لإقراره] تأويلاً، بأن قال: حسبت المفاخَذَةَ زناً، يُقْبَل، ولا يُقْبَل الرجوعُ المُطْلَق.

وقوله "فإن ثبت بالشهادة، لم يُسقِطْ بشَيْء منْ ذلك" أي بالتماس تركْ الحدِّ والهَرَب وغيرهما، وفي "النهاية" حكاية خلافٍ فيه، وكان المقصود منه أنَّا إذا فرَّعْنا على أنه يَسْقُط الحدُّ بالتوبة، فينزل ذلك منزلة التوبة على رأْي، كما ينزل منزلة الرجُوع عن الإقرار عَلَى رأْي، وهذا يجوِّز إعلام قوله "لم يسقُطْ بشَيْءٍ من ذلك" بالواو، [والله أعلم].

" فَرْعٌ": إذا أقر بالزنا، ثم شهد عليه بالزنا أربعةٌ، ثم رجعَ عن الإقرار، هل يُحَدُّ؟ حَكَى القاضي ابن كَج فيه وجهَيْن عن أبي الحُسَيْن بن القطَّان؛ نعيم؛ لأنه [بقيت] (٢) حجة البيِّنة، وإن بَطلَتْ حجْةُ الإقرار، وشبِّهَه بما إذا شَهِدَ عليه ثمانيةٌ، ثم رجع أربعةٌ، وثبت أربعةٌ، وعن أبي إسحاق لا؛ لأنَّه لا مَعْنَى للبينة مع الإقرار،


(١) سقط في ز.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>