للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشراء والبيع جميعًا، وإذا اقتصر على الشراء، فللمدفوع إليه الاقتصار على الشراء، دون البيع، والربح كله للمالك، والخسران عليه.

وفيه وجه: أن التعرض للشراء كافٍ، وهو ينبه على البيع بعده، وفيما إذا أتى بلفظ المُضَاربة والقراض أيضًا حكايته وجه ضعيف في "النهاية" أنه كما لو قال: اشتر، ولم يتعرض للبيع. وقيل: سبب الفساد في تصوير المزني أنه قال بالنصف، ولم يبين لمن النصف هو؟ فيحتمل أنه أراد شرطه لنفسه، وحينئذ يكون نصيب العامل مسكوتًا عنه، فيفسد العقد. واعترض ابْنُ سُرَيْجٍ على هذا بأن الشرط ينصرف إلى العامل؛ لأن المالك يستحق بالمال لا بالشرط. وعن ابْنِ أَبي هُرَيْرَةَ أن سبب الفساد أنه تردَّد بين النوعين، ولم يعين واحدًا، ولا أطلق التصرف في أجناس الأمتعة.

واعترض القاضي الحُسَيْنِ عليه أنه لو عَيْن أحدهما لحكمنا بالصِّحة، فإذا ذكرهما على الترديد فقد زاد العامل بسطةً وتخييرًا نينبغي أن يصح بطريق الأولى (١).

وقيل: سببه أن القراض إنما يصح إذا أطلق له التصرف في الأمتعة، أو عين جنسًا يعم وجوده، والهروِيّ والمروِيّ ليسا كذلك، وهذا القائل كأن يفرض في بلد لا يعمَّان به. وقال الإمام: يجوز أن يكون سبب الفساد أنه أرسل ذكر النصف، ولم يقل بالنصف من الربح.

قال الغزالي:

البَابُ الثَّانيِ في حُكْمِ القِرَاضِ الصَّحِيحِ

وَلَهُ خَمْسَةُ أَحْكَام: الحُكْمُ الأَوَّلُ -أنَّ العَامِلَ كَالوكيلِ في تَقْيِيدِ تَصَرُّفِهِ بِالغِبْطَةِ، فَلا يَتَصَرَّفُ بالغَبْنِ وَلا بِالنَّسِيئَةِ بَيْعًا وَلاَ شِرَاءً إِلاَّ بِالإِذنِ، وَيَبَيعُ بِالعَرْضِ فَإنَّهُ عَيْنُ التِّجَارَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّدُ بِالعَيْبِ، فَإنْ تَنَازَعا فَقالَ العَامِلُ: يَرُدُّ وَامْتَنَعَ رَبُّ المَالِ أَوْ بِالعَكْسِ فَيُقَدَّمُ جَابِبُ الغِبْطَةِ وَلا يُعَامِلُ العَامِلُ المَالِكَ، وَلاَ يَشْتَري بِمَالِ القِرَاضِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وَإِنِ اشْتَرَى لَمْ يَقَعْ لِلقْراضِ، وَانْصَرَفَ إِلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَ.

قال الرافعي: من أحكام القراض تقييد تصرف العامل بالغِبْطَة، كتصرف الوكيل ثم الغِبْطَة والمصلحة قد تقتضي التسوية بينهما، وقد تقتضي الفرق، وبيع العامل وشراؤه بالغَبْنِ كبيع الوكيل (٢) بلا فرق، ولا يبيع نسيئة بدون الإذن، ولا يشتري أيضًا؛ لأنه ربما


(١) قال النووي: هذا الاعتراض ليس بمقبول؛ لأن حاصلة أنه حمل لفظة "أو" على التخيير، وابن أبي هريرة ينكر ذلك ويقول: إنما أذن في أحدهما وشك في المراد. ينظر الروضة ٤/ ٢٠٦.
(٢) يقتضي أنه يحتمل الغبن اليسير. قال الأذرعي في القوت: وأعلم أن قضية كلامهم هنا أن الغبن اليسير يحتمل من غير فرق بين مالك ومالك، وفي الحج من النهاية أو غيرة إطلاق القول بأنه لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>