ونقل القاضي الرُّوَيانِيُّ عن الشيخ أنه قال: مَهْرُ المِثْلِ الوَاجِبُ بالعقد، يجوز أن يَخْتَلِفَ حُكْمُهُ، أما الواجب بالإِتْلاَفِ، فلا يبغي أن يَخْتَلِفَ.
قال القاضي: وبهذا أَقُولُ، والفَرْقُ على ظاهر المذهب بينه وبين قِيَم الأمْوَالِ؛ أن المَقْصُودَ الأعْظَمَ من النكاح الوَصْلَةُ، فَيُراعَى فيه ما يكون أَدْعَى إلى التَّآلُفِ، وهناك المَقْصُودُ المَالُ.
" فَرْعٌ"
تَقَادُمُ العَهْدِ لا يُوجِبُ سُقُوطَ مَهْرِ المِثْلِ، كما لا يُسْقِطُ قِيَمَ الأموال وإن احْتِيجَ فيها إلى مَعْرِفَة الصفات وعَسِرَ الوُقُوفُ عليها، إذا تَقادَمَ العَهْدُ عن أبي حنيفة أنه يسقط مَهْرُ المِثْلِ، باعتبار يوم الوَطْء لا يوم العقد.
إحداهما: الوَطْءُ في النكاح الفَاسِدِ يُوجِبُ مَهْرَ المِثْلِ، باعتبار يوم الوَطْءِ (١) بالشُّبْهَةِ، ولا يعتبر يوم العَقْدِ، لأنه لا حُرْمَةَ لِلْعَقْدِ الفاسد، فلا يجب به شَيْءٌ، وإنما يَجِبُ ما يجب بالإِتْلاَفِ، فينظر إلى يوم الإِتْلاَفِ، وليس كما لو وَطِئَ في صُورَةِ التَّفْوِيضِ، حيث يُعْتَبَرُ بيوم العَقْدِ، على رَأْيٍ قدمناه.
الثانية: إذا وَطِئَ مِراراً بشُبْهَةٍ واحدة، أو في نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لم يجب إلا مَهْرٌ وَاحِدٌ، كما أن الوَطَئَاتِ في النِّكَاحِ الصحيح، لا تَقْتَضِي إلا دَهْراً واحِداً وإن وَطِئَ بِشُبْهةٍ، وزالت تلك الشُّبْهَةُ، فَوَطِئَ بِشُبهْةٍ أخرى، وجب مَهْرَانِ، وإذا لم تكن شُبْهَةٌ، كما لو أَكْرَهَ امْرَأَةً على الزِّنَا، وَوَطِئَهَا مِرَاراً، وجب بكل وَطْءٍ مَهْرٌ؛ لأن الوُجُوبَ هاهنا بالإتْلاَفِ، وقد تَعَدُدَ الإِتْلاَفُ، وإذا وَطِئَ الأبُ جَارِيَةَ الابن مِرَاراً من غير إِحْبَالٍ، فقد أَطْلَقَ في الكتاب وجهين:
أحدهما: أنه يَجِبُ بكل وطء مَهْرٌ؛ لِتَعَدد الإِتْلاَفِ في مِلْكِ الغَيْرِ، مع العلم بحقيقة الحال.