للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوطْئها في الطُّهْر الذي قَذَفها بالزنا فيه، يجوز له أن يلاعن، وَينْفِي النسب، قال في "البسيط": ولعل هذا في الحُكمِ الظاهر، فأما بيْنَه وبيْن الله تعالى، فلا يَحِلُّ له النفْيُ مع تعارُضِ الاحتمال، ويجوز أن يعوَّل الزوْجُ فيه على أمْرٍ يختص بمعرفته كعَزْلٍ، أو قرينة حال. والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الثَّالِثُ في فُرُوعٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: (الأَوَّلُ): إِذَا قَذَفَهَا بِأجْنَبِيِّ وَذَكَرَهُ في اللِّعَانِ فَلاَ حَدَّ لِلأَجْنَبِيِّ* وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ فَقَوْلاَنِ لأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ عَلَى الجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً* وَمَنْ قَذَفَ عِنْدَ القَاضِي فَهَلْ عَلَى القَاضي إِخْبَارُ المَقْذُوفِ لِطَلَبِ حَدِّ القَذْفِ؟ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفرع يحْوِي مسألتين:

إحداهما: إذا قذف زوجته برجُل معيَّن، فالقول في أنَّ الواجب حدٌّ أو حدَّان؟ سيأتي في الفرع الثاني، ثم إن ذَكَر المرميَّ (١) به في اللعان؛ بأن قال: أشهد بالله إنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فيما رَميْتُهَا به من الزنا بفُلانٍ، سَقَطَ حقُّه، كما يسقط حقُّها، سواء أو جنبًا، حدًّا أو حدَّيْن، حتى لو قذفها بجماعةٍ، وذكرهم، سقط حق الكل، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يسقط الحدُّ للمرميِّ به، بل يُحَدُّ له بعد اللعان، وعند أبي حنيفة: لو حُدَّ له قبل اللعان، تَعذَّر اللعان؛ بناءً على أن المحدود في القَذْف لا يُلاَعنُ.

لنا أن اللعان حُجَّةٌ في ذلك الزنا في طَرَفِ المرأة، فكذلك في طَرَف الرجل؛ وهذا لأن الواقعة واحدة، وقد قامت فيها حجة مصدَّقة فتنتهض (٢) شبهةً بارئةً للحد، وإن أغفل ذكْر المرميِّ به، ففي سُقُوط حقه قولان:

أحدهما، ويروى عن "الإملاء" "وأحكام القرآن": أنه يسقط، وبه قال أحمد واختاره المزنيُّ؛ لأنه ظهر صدقه باللِّعَان، فيسقط حقُّه كما يسقط حقُّها، وقد يحتج له بأن الملاعن في عصر رسول (٣) الله -صلى الله عليه وسلم- رَمَى زوجته بشريك ابْنِ السحماء، ولم يتعرض له في اللعان، ولم يُحَدَّ له، وأصحهما على ما ذَكَره القاضي الرُّويانىُّ، ويحكى عن "الأم": أنه لا يَسْقُط؛ لأنه لم يذْكُرْه في اللعان، وسقوط الحد يَفْتَقِر إلى تسْمِيَته في اللِّعان كما في حق الزوجة؛ وَعَلَى هذا فلو أراد إسْقاطه، فالطريق أن يعيد اللِّعَانَ ويذكره، وفي كتاب القاضي ابن كج: أن القولَيْن مبنيان على أن حَقَّ الرجل يَثْبُت أصلاً أو تابعًا لقذف الزوجة، فإن قُلْنا: يثبت تابعًا، كفى ذكر المرأة: وسَقَط به حقُّ الرجل،


(١) في أ: الرمي.
(٢) في ز: فنهض.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>