الأَبوين دِيناً، كما لو كان أَحدُ الأَبَوْيِن مُسْلماً يحكم بإسلامِ الوَلَد.
[و] قال الأَصحاب: الِفرْق أَن الإِسلام يعْلو ويغلب سائر الأديان، وسائر الأَديان تتقاوم، ولا تَغْلِبُ بعَضُها بعضاً، ولهذا قُلْنا: إِنَّ الكفر كلَّه ملةٌ واحدةٌ، وعبر الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن هذا المعْنَى بأنَّ الإِسْلامَ لا يَشْرَكُه الشَّرْك، والشَّرْكُ يشركه الشرك، والحُكْمُ في حلِّ الذبيحة كهو في حل المناكحة، ثم ما ذكرنا من المنع جزماً، فيما إذا كانت الأَمُّ كتابيَّة، وعلى أَحد القولين، إِذا كان الأَب كتابياً في صفر المتلوِّد منهما، أمَّا إِذا بلغ وتَديَّن بدِينِ الكتابيِّ من أَبويه، فعن الشَّافِعِيَّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أَنه يحلُّ مناكحته وذبيحته، واختلف فيه الأَصحاب على ما نقله صاحب "التَّهْذِيبِ" منْهم من أثبته قولاً، ووجَّهه بأَن فيه شعبةً مِنْ كلِّ واحد منهما، لكنَّا عَلْينا التحريمُ ما دام تبعاً لأَحدِ الأبَوَيْنِ، فإذا بلغ واستقل، واختار الكتابية، قَوِيَتْ تلك الشعبة.
ومنهم من قَالَ: لا تحلُّ ذبيحته ومناكحته بعْد البلوغ أيضاً، كالمتولِّد من المجوسيَّيَن وحَملوا مَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: -رَضِي اللهُ عَنْه- على ما إذا كان أَحد أبَوْيِهِ يهوديّاً، والآخَرُ نصرانياً، فبلغ، واختار دِينَ أَحدهما، والمتولِّدُ من يهوديِّ ومجوسية، إذا بلغ واختار التمجس، فالحكاية عن القَفَّالِ أَنه يُمَكَّنُ منه، ويجري عليه حكْمُ المجوس، بخلاِف من تولَّد من مسلمٍ ويهودية؛ حيث يلزمه التمسُّك بالإِسلام بعد البلوغ.
وقَالَ الإِمام: لا يُمنع أَن يقال: إِذا أثبتنا حكم اليهود في الذبيحة والمناكحة، فنِمنعه من التمجُّس، إذا منعنا الكافر من الانتقال من دين إِلى دِينٍ.
وقولهُ في الكتاب:"ولو تولد من بين مجوسية ويهوديٍّ ولَد من كذا" هو في بعَض النسخ، وفي بعضها من "بين مجوسيٍّ ويهوديٍّ" وهما صحيحان.
أَما الأَول فظاهر وأَما الثاني، فالتقدير من بين شخصٍ مجوسيٍّ، والآخر يُهوديٌّ، وذلك يشمل ما إِذا كان الأَبُ يهودياً وما إِذا كانت الأُمُّ يهوديَّةً، وَنَحْنُ في قَوْلٍ نحكم بالتحريم في الطَّرَفين، وفي قول، ننظر إلى الأَب، ونثبت حكْمَه في الولد، واللهُ أَعلَمُ.