للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرُّكْنُ الثَّانِي: جَوَابُ المُدَّعَي عَلَيْهِ وَهُوَ إِقْرَارٌ أوْ إِنْكَارٌ إذ السُّكُوتُ كَالإِنْكَارِ، وَقَوْلُهُ: لِي عَنْ دَعْوَاكَ مَخْرَجٌ أوْ لِفُلانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ اسْتِهْزَاءٌ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المُدَّعَى عَلَيْهِ: إما أن يُجِيبَ بِالإِقْرَار، أو بالإِنْكارِ، أو يَسْكُتَ. وإنما قال: السُّكُوتُ كالإِنْكَارِ؛ لأن المُدَّعَى عليه، إذا أَصَرَّ على السكوت، جُعِلَ كالمُنْكِرِ الناكل. وتُرَدُّ اليَمِينُ على المُدَّعِي، فهو في الحُكْمِ كالإنكار (١)، والكلام في الإِقرَارِ وصِيغَتِهِ، ما مَرَّ في باب الإقرار.

وقول المُدَّعى عليه: لي عن دعواك مَخْرَجٌ، ليس بإقْرَارٍ، يجوز أن يزيد المَخْرج بالإنكار. وكذا قوله لفلان: عَلَيَّ أَكْثَرُ مما لك، ليس بِإقْرَارٍ للمخاطب، فيما ادَّعَاهُ؛ لأنه يحتمل أن يزيد الاستهزاء، وأيضاً يحتمل أن يُريدَ: لفلان عَلَيّ حُرْمَةٌ، وحَقٌّ أكثر مما لك.

وقد ذكر القاضي أبو سَعْدٍ أنه لو قال: لك عَليَّ أَكْثَرُ مما ادَّعَيْتَ، لم يكن إِقْرَاراً؛ لاحْتِمَالِ أن يريد: لك من الحق عِنْدِي، ما يستحق له أكثر مما ادعيت. وكما لا يَكُونُ قوله: لفلان عَلَيَّ أَكْثَرُ مما لك إقْرَارَاً للمخاطب، فلا يكون إِقْراراً لفلان أيضاً، لاحْتِمَالِ أن يزيد معي الحق والحُرْمَة، نعم لو قال: لفلان مَالٌ أكثر مما ادَّعَيْتَ، فهذا يكون إِقْرَاراً لفلان، إلا أنه يقبل تفسيره بما دُونَهُ في القَدْرِ؛ تَنْزِيلاً على كَثرَةِ التَّرِكَةِ، أو الرَّغْبَةِ على ما أوضحناه في الإقرار.

وقوله في الكتاب: "استهزاء وليس بإقرار". أي هو يحتمل الاسْتِهْزَاءَ. ولا شَكَّ


(١) قال الشيخ البلقيني في التصحيح: محل ما ذكره المصنف إذا لم يكن المدعى عليه نائباً عن المدعى عليه، فإن كان نائباً بوكالة فيجعل كالمنكر، ولا يجعل كالناكل؛ لأن اليمين لا يتوجه عليه فلا يكون الناكل ويحتمل أن يقال على بعد الوكيل إذا أصر على السكوت؛ فإن كان موكله حاضرًا راضياً بذلك فلا يقنع من الوكيل بالسكوت؛ لأنه خلاف ما وكل فيه ولا يكون المدعى عليه هنا كالمنكر، وأما الولي المدعى عليه من جهة ما يتعلق ممن هو في ولايته فلا يحل له السكوت ويجب عليه من جهة ما يتعلق ممن هو في ولايته فلا يحل له السكوت ويجب عليه أن يجيب بما يعرفه من الحال، فإن أصر على السكوت فإن كان أباً أو جداً أو وصياً من جهة أحدهما عرفه الحاكم أن هذا الذي تعمده من السكوت لقصد التعنت والإِصرار قادح في الولاية، فإن أنت بادرت إلى الجواب وأقلعت عن هذا التعنت فأنت على ولايتك وإلا فلا ولاية لك، وهذا السكوت له شبه بالفضل والكلام فيه معروف، وإن كان المدعى عليه قيمًا من جهة الحاكم زجره الحاكم وأقام غيره عند إضراره، ولا يجعل كالمنكر. انتهى.
وقال الأذرعي في القوت: إمساك الأخرس عن الإشارة المفهمة للجواب كسكوت الناطق، ومن لا يفهم لا يصح الدعوى عليه، كالمجنون، وأما الاسم الذي لا يسمع أصلاً فإن كان بصيراً يفهم الإشارة البينة فكالأخرس المفهم، وإلا فكمن لا يفهم، وإن كان أعمى فكطفل، نعم لو كان البصير أو الأخرس الذي لا يفهم كاتباً فيشبه أن يقال: كتابته دعوى وجواباً كعبارة الناطق.

<<  <  ج: ص:  >  >>