للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطع الخنصر والبنصر، مثلاً، يلزمه خُمْساً الديةِ، وإن كان الفائتُ من المنفعة دون الخُمْسَيْنِ، وقال أبو إسحاق: الاعتبارُ بالجرم لأنه الأصل الَّذي ينال بالجنايةِ، فيجب في قطع نصفِ اللسانِ، وذهابِ ربعِ الكلام نصفُ الدية، اعتباراً بالجُرْم، وإذا قطع ربعه، وزال نصْف الكلام، فعليه أيضاً نصْف الدية (١)، فإنَّما يجب النصف لأنَّه قطع ربعاً صحيحاً، وأشَلَّ ربعاً آخر، وتظهر فائدة الاختلاف في صورتين:

إحداهما: إذا قطع نصْفَ لسانِهِ، وذهب ربع الكلام، ثم جاء آخر، واستأصل الباقي، فعلى ما قاله الأكثرون: يجبُ عليه ثلاثةُ أرباع الدية لأنه أبطل ثلاثة أرباع الكلامِ، وعلى ما قاله أبو إسحاق: نصف الدية كما على الأول اعتباراً بالجرم.

والثانية: لو قطع ربع لسانه، فذهب نصف الكلام، ثم جاء آخر، واستأصَلَ الباقِيَ، فعلَى عبارة الأكثرين؛ عليه ثلاثة أرباع الديةِ؛ لأنه قطع ثلاثةَ أرباع اللسانِ، وفيها نصف (٢) الكلام، وعلَى ما ذكره أبو إسحاق، عليه نصفُ ديةِ وحكومةٌ؛ لأنه قطع نصفاٌ صحيحًا، وربعاً أشَلَّ.

ولو أذْهَبَ نصفَ الكلام بجنايةٍ على اللسان من غير قطْعٍ، ثم جاء آخر، وقطعه، فعلَى طريقةِ الأكثرينَ؛ عليه ديةٌ كاملةٌ؛ لقطعه جميع اللسان، مع بقاء المنفعة فيه، وعلى ما ذكره أبو إسْحَاق؛ يلزمه نصْفُ ديةٍ وحكومةٌ؛ لأن الجرم لذهاب نصف الكلامِ، نصفُةُ صحيحٌ، ونصفه أشَلُّ، فيجب للنصفِ الصحيحِ نصفُ الدية، وللأَشَلِّ الحكومة.

وقوله في الكتاب: "وإنْ تَفَاوَتَا أَخَذْنَا بِأَكْثَرِ الشَّهادَتَيْن"، أراد به ما ذكر في "الوسيط"؛ أنَّ نقصانَ كلِّ واحد من الجرم، والحروف مبينٌ مقدار الزائل من القوَّة النطقية الَّتي لا يتقدَّر تحقيقًا، وشاهد عليه؛ فتأخذ بأكثر الشهادتين، وقوله: "وقيل: النظَرُ إلَى الجُرْم في حقِّ الثَّاني"، المرادُ منه الوجهُ المنسوبُ إلَى أبي إسحاق، وإنما قال: "في حَقِّ الَثَّاني" (٣)؛ لأن الخلافَ يظهرُ في حقِّه، لا في حق القاطع الأول، وإلاَّ فالنظر إلى الجرم لا يختصُّ بالثاني على ما تبين.

" فُرُوعٌ"

رجلانِ قطع من أحدهما نصفُ لسانه، فذهب ربع كلامه، ومن الآخر نصْفُ لسانه، وذهب نصف كلامه، فقطع الأوَّل النصف الباقي من لسانِ الثانِي، لم يقتص منْه، وإن أجرينا القصاصَ في بعض اللسان؛ لنقصان المجنيَّ عليه.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: قوة.
(٣) في ز: الباقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>