للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاطعٌ يحطُّ عن دية اليدِ أرش الأصبع أو الأنملة، ولو جرح رأسه متلاحمةً، وجاء آخر، وجعَلَها موضِّحة، فعلى مَنْ أَوْضَح أرْشٌ موضِّحةٍ محْطُوطاً عنه واجبُ المتلاحمةِ، سواءٌ قدَّرنا واجبها، أو أوجبنا الحكومةَ، ولو التأمتِ المتلاحمةُ، واكتسى موضعها بالجِلْد، لكن بقي غائراً، وجاء آخر، وأوْضَح فيه، فالصحيحُ أنَّ حكم ذلك الجُرْح قد سقط، وعلى من أوضح أرشٌ كاملٌ، وإن لم يكن لما نقص أرشٌ مقدَّر؛ كفلقة ينفصلُ من لحمة الأنملة، فإن لم يؤثِّر في المنفعة، لم تنتقص به الديَة، وإن قدر وجوب حكومة فيه للشَّيْن، ولا فرق بيْنَ أن يحصل ذلك بآفةٍ أو جنايةٍ وإن أثَّر في المنفعة، فكذلك لا تنتقصُ به الديةُ، إن حصل بآفةٍ، وإنْ حَصَل بجناية، قال الإِمام: يجوز أن يجعلَ كالنقصان بآفةٍ، ويجوز أن يحط (١) عن الثاني مقدارُ الحكومة الواجبةِ على الأولِ، وهو الأقرب.

قال الغَزَالِيُّ: وَلوْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ فأَبْطَلَ بَعْضَ كَلاَمِهِ وَتَساوَت نِسْبَةُ الجُرْمِ والحُرُوفِ فَذَاكَ، وَإِنْ تَفَاوَتا أَخَذْنَا بأكْثَرِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلوْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ فَزالَ نِصْفُ الكَلاَمِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَلوْ قَطَعَ نِصْفَ اللِّسَانِ فَزالَ رُبُعُ الكَلاَمِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوِ اسْتأصَلَ البَاقِي وَقَدْ بَقِيَ ثَلاَثَةُ أَرْباَعِ الكَلاَمِ أَوْ ثَلاَثةُ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ فَيَجِبُ ثَلاَثَةُ أَرْباعِ الدِّيَةِ أخْذاً بالأَكْثَرِ، وَقِيلَ: النَّظَرُ إِلَى الْجُرْمِ فِي حَقِّ البَاقِي وَلَكِنْ لَوْ بَقِيَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ وَفِيهِ نِصْفُ الكَلاَمِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ وَكأَنَّ رُبُعَ اللِّسَانِ أَشَلُّ.

قَالَ الرافِعِيُّ: نزَّل العلماء النطْقَ في اللسان منزلةَ البَطْش في اليدِ، والمشْي في الرِّجْل، وقالُوا: إذا استأصل لسان إنسانٍ قَطْعًا، وأبطل كلامه، لم يلزمه إلاَّ ديةٌ واحدةٌ، ولو قطع عَذَبة اللسانِ، وبطل الكلامُ، فكذلك الحكمُ، وهو كما لو قطع أصبعاً، من اليد، فشّلَّت اليد، وقد يشكل ما ذكروه، بأنَّا نرى المقْطُوع اللسان يتكلَّم، ويأتي بالحروف كلِّها مفهومةً أو معظمها، وذلك يشعر بأنَّ النطق في اللسان، ليس كالبطش في اليد، ثم قالوا: إذا قطع بعض اللسان، وذهب يعض الكلام، فينظر؛ إن تساوت نسبة جرم اللسان والكلام؛ كما إذا قطع نصْفَ لسانه؛ فذهب نصف كلامه، فالواجب نصْفُ الدية، وإن تفاوتت (٢) النسبةُ، كما إذا قطع رُبُعَ لسانه، فزالَ نصف كلامِهِ، أو نصف لسانه، فزال ربع كلامه، فعليه نصْفُ الدية، واختلفوا في تعليلِهِ، فقال أكثر الأصْحَاب: اللسانُ مضمونٌ بالدية، وإبطالُ منفعته أيضًا مضمونٌ بها، فيعتبَرُ الأغلظُ من موجبيها (٣)، ويجب الأكثر، وهذا كما أنه (٤) إذا بَطَل البطْش بقَطْع بعض الأصابع، يجب الدية، ولو


(١) في ز: يحيط.
(٢) في ز: تفاوت.
(٣) في ز: موجبهما.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>