للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في أحكام صلاة التراويح]

قال الرافعي: صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات.

وبه قال أبو حنيفة، وأحمد؛ لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "صَلَّى بالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةٌ لَيْلَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، ثمَّ قَالَ مِنَ الْغَدِ: "خَشِيتُ أَنْ تُفرَضَ عَلَيْكُمْ فَلاَ تَطِيقُونَهَا" (١).

وعن مالك: أنها ست وثلاثون ركعة لفعل أهل المدينة.

قال العلماء: وسبب فعلهم أن الركعات العشرين خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات، وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط، ويصلون ركعتي الطواف أفراداً، وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح، ولا بين التراويح والوتر، فأراد أهل المدينة أن يساورهم في الفضيلة، فجعلوا مكان كل أسبوع من الطواف ترويحة، فحصل أربع ترويحات وهي ست عشرة ركعة تنضم إلى العشرين، والوتر ثلاث ركعات، تكون الجملة تسعاً وثلاثين؛ فلذلك قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه-: ورأيتهم بالمدينة يقولون: بتسع وثلاثين.

قال أصحابنا: لغير أهل المدينة ذلك؟ لشرفهم بمهاجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقبره، ثم الأفضل في التراويح الجماعة أو الانفراد؟ فيه وجهان، ومنهم من يقول قولان.

أحدهما: أن الانفراد بها أفضل، ويروى هذا عن مالك -رضي الله عنه- لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "خَرَجَ لَيَالِيَ مِنْ رَمَضَانَ، وَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ بَاقِيَ الشَّهْرِ، وَقَالَ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ" (٢). ولأن الاستخلاء بالنوافل أبعد عن الرياء.

وأصحهما: أن الجماعة أفضل؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَابِ -رضي الله عنه- جَمَعَ النَّاسَ علي أُبيَّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- (٣) وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- الْخُرُوج؟ خَشْيَةِ الافْتِرَاضِ"، وبهذا قال ابْنُ سُرَيْجٍ، وأبو إسحاق والأكثرون، ثم ذكر أصحابنا العراقيون، والصيدلاني وغيرهم؛ أن الخلاف فيما إذا كان الرجل يحفظ القرآن ولا يخاف النوم والكسل، ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه، فأما إذا لم يحفظ أو خاف ذلك فالجماعة أولى لا محالة.


(١) أخرجه البخاري (٩٢٤، ١١٢٩) ومسلم (٧٦١).
(٢) أخرجه البخاري (٧٣١، ٦١١٣، ٧٢٩٠) ومسلم (٧٨١) من رواية زيد بن ثابت -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه أبو داود (١٤٢٨، ١٤٢٩) وقال ابن الملقن بعد عزوه لأبي داود أخرجه بإسنادين، أحدهما، منقطع والآخر فيه مجهول، انظر الخلاصة (١٨٣) التلخيص (٢/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>