للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسكيناً (١) ولِمَنْ قال بالأوَّلِ أن يقول: فسَّرْتم المسكينَ بمَنْ له شيءٌ، يقع موقعاً من كفايته، لا بمُطلَق من يملك شيئاً؛ فلِمَ قلتم: إنَّ السفينة كانت تقع موقعاً من كِفَايَتِهِمْ، وأما الثاني، فكما نقل "أحيني مسكيناً" نقل الفقير، فجرى ونحوه والخلافُ مع أبي حنيفة في الفقير والمسكينِ لا يظهر أثَرُهُ في الزكاة؛ لأنَّه يجوزُ عنده الصَّرْف إلى صنفٍ واحدٍ، ولكنه يظهر فيما إذا أوصَى للفقراء دُونَ المَسَاكِين، أو بالعَكْس، أو نَذَر، أو حَلَفَ أنْ يتصدَّق عَلَى أحدهما، دون الآخر، ويجوز أن يُعْلَمَ قوله في الكتاب: "والفقيرُ أَشَدُّ حالاً منه" مع الحاء والواو بالميم؛ لأنَّ الحكاية عن مالك مثل قول أبي حنيفة. واعْلَمْ: أنَّ المعتبر من قولنا يقع موقعاً من كفايته وحاجته أو لا يقع: المطْعَمُ، والمسْكَنُ، والمَلْبَسُ، وسائرُ مَا لا بُدَّ منه، عَلَى ما يليق بالحالِ، من غير إسرافٍ، ولا تقتير، لنَفْسِ الشخْصِ، ولمن هو في نفقتِهِ.

" فَرْعٌ":

سُئِلَ صاحبُ الكتاب عن القَوِيِّ من أهل البيوتات الَّذين لم تَجْرِ عادتهم بالتكسُّب بالبدن، هل له أنْ يأخذ من الزكاة فأجاب أنْ: نعم، وهو مستمرٌّ عَلَى ما سبق أنَّ المعتبرَ الكسْبُ بحرفة تليقُ بحاله (٢)، وكما لا يعْتدُّ بالحرفة التي لا تلِيقُ بحاله، لا يعتد بأصل الحرفة في حقِّ من لا يليقُ به.


(١) هذان حديثان، أما الأول فمتفق عليه من حديث عائشة أتم منه، وفي الباب عن أبي هريرة في أبي داود والنسائي وصحيحي ابن حبان والحاكم، وعندهما من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث وأبي سعيد وأنس نحوه، وأما الثاني فرواه الترمذي من حديث أنس أتم منه أيضاً واستغربه، وإسناده ضعيف، وفي الباب عن أبي سعيد رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعف أيضاً، وله طريق أخرى في المستدرك من حديث عطاء عنه، وطوله البيهقي، ورواه البيهقي من حديث عبادة بن الصامت.
(تنبيه) أسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في الموضوعات: وكأنه أقدم عليه لما رآه مبايناً للحال التي مات عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه كان مكفياً، وقال البيهقي: ووجهه عند أنه لم يسأل حال المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع، قوله: يستدل على أن الفقير أحسن حالاً من المسكين بما نقل: الفقر فخري وبه افتخر، وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال: إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المروية، وجزم الصغاني بأنه موضوع.
(٢) قال النووي: بقيت مسائل تتعلق بالفقير والمسكين.
إحداها: قال الغزالي في "الإحياء": لو كان له كتب فقه، لم تخرجه عن المسكنة، ولا تلزمه زكاة الفطر. وحكم كتبه حكم أثاث البيت، لأنه محتاج إليها، لكن ينبغي أن يحتاط في فهم الحاجة إلى الكتاب. فالكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض، من التعليم، والتفرج بالمطالعة، والاستفادة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>